في المكان الذي تعيش، تشعر بانتمائك إليه تلقائياً، فتحرص على تنظيمه، وترتيبه، والإضافة إليه، وإشاعة العطر فيه، بل توسيعه، وتلوينه.. وزرعه..
تستمتع بركن فيه تؤوب إليه عند تعبك، أو رغبتك في التأمل.. أو القراءة..، أو الانفراد بصديق.. أو ابن..
المكان الخاص تنتشر نبضاته في أوردة المرء.. وحين يغيب عنه يحن إليه..
هذا الشعور ينسرب في حس الإنسان نحو أي مكان فيه حياة له من وقت..، مثل موقع العمل..حجرته التي يتحرك فيها عقله، وقدماه، فيها تبصم نبرات صوته، وعباراته، منفرداً فيه، أو إلى زميل آخر،.. مع مرور الوقت يصبح مقرباً، يتسلل لحياته الخاصة فيعرف عنه ما لا يعرف أخ بعيد، أو قريب ناء.. وتتكون للمرء فيه صحبة، وأهداف، وغايات، يجد نفسه مشغولا بتنفيذها، وبلوغها كفاياتها من النجاح، ليس وحده بل هو ومن معه.. فيشعر بالانتماء لهذا المكان.. إن غاب عنه تذكره، واشتاق إليه، ولمن فيه معه..، وإن عبر به غص بحنينه إليه..
هكذا هي المواقع بما فيها مكان فسحة، أو دائرة علاقة، أو صحيفة يفضلها، أو يكتب فيها..كمين للشعور، ومستقطَب للعاطفة.. إن ازدهت بمكونات جذبها، واستقرارها..
إذ لا يكدر مشاعر الانتماء التي تجذب، وترغِّب، وتحبِّب المرء في المكان، إلا دكن العلاقات، من تسلط مسؤول، أو تفرقة في التعامل منه بين الجميع، أو تقديم ناشئ على ذي خبرة، أو عدم اكتراث بقيمية أداء مخلص، أو الميل الشخصي لمن يعين في مصلحة شخصية على من يبذل في تجرد، وموضوعية.. أو عند نكران، واجحاف.. وتعد..
ففي هذه الأجواء يتحول الشعور من الحب، والميل، والإحساس بالانتماء، إلى تلمظ، وقلق، وعدم رضاء..
وفي هذا ما يقلل من الدافعية.. ويشوه معنى الانتماء، حتى إن واصل المرء عمله بجد، وإخلاص، احتراماً لمبادئه، وحفظاً على قيمه، واحترامه لذاته..، لكنه لن يشعر بانتماء لهذا المكان الداكن، المقلق،.. السالب لمشاعر الاطمئنان..
أما البيت الخاص فلا ما ينكد على المرء فيه إلا رفيق جاحد، أو مناكف نكد..
يبقى الانتماء أنه لا يعشش في النفس إلا في أجواء نقية، ورواء عذب، وتعايش سلمي.