الرسائل التوعوية المعلبة التي تبثها هيئة مكافحة الفساد تبقى روتينية ورسالتها الإعلامية تقليدية بعيدة تماما عن التجديد الملفت للنظر والباعث على التوقف أمامها، فإذا كان الفساد يحتاج للقوانين الرادعة والمتابعة التي تترصد أساليبه وتسطو على مكامنه، وتجعل من إيقاع العقاب رادعاً يتعض به الآخرين، فإن رسائل التوعية بأخطاره يجب أن تكون غير روتينية وتنطلق من أساليب ووسائل وأدوات تبتعد بها عن ملل التكرار وضعف المحتوى، وهذا يتطلب تطويراً في الخطاب التوعوي سواء كان رسالة مقروءة او مشهداً مرئياً، ليلامس ليس فقط الجانب الديني والإنساني وإنما إلى ماهو أبعد ، فمثل هذه الرسائل ليست لجلب تبرعات أو إعانة محتاجين إنما يفترض بها ايصال رسالة للمساهمة في كشف لصوص يسرقون الناس.
** إن فتح المجال وتوفير الوسائل للناس للتعبير عما في داخلها ولتروي تجربتها مع الفساد أمر في غاية الأهمية، ففي بلاد مثل الهند أطلقت احدى مؤسسات المجتمع المدني موقعا الكترونيا يحمل عبارة ( انا دفعت رشوة) ، يهدف لفضح الفساد وتمكين مستخدميه من دون كشف هوياتهم الاعتراف بدفعهم او تلقيهم رشوة مع تحديد قيمتها ونوع الخدمة مقابل المال، ومكان دفع الرشوة.
** وهذه المحاولة التي قامت بها مؤسسة شاناغراها محاولة جادة لتغيير واقع الفساد، والمساهمة في مساعدة الجهات الرسمية بمعلومات عن حجم انتشار الفساد وأي الجهات أكثر وقوعا في براثنه، وبالتالي هذا يحفز إلى تحديد مكونات تلك البؤرة واستئصالها من خلال الوقوف على الأسباب التي اضطرت الناس لدفع الرشوة ومن ثم معالجتها .
** كثير من الدول تواصلت مع المؤسسة الهندية بغية الاستفادة من تجربتها واستنساخها وهذا الامر ليس جديدا فهو يعود الى عام 2011 ، ولا اعرف ان كان هيئة مكافحة الفساد لدينا تواصلت مع تلك المؤسسة او ان هذه التجربة لم تلفت نظرها، وبقيت على رسائلها التقليدية .
** مالذي يمنع الهيئة من إيجاد موقع مشابه لتستمع للناس وتتعرف على قصصهم دون إحراجهم بتقديم معلوماتهم الشخصية ، أو تسجيل مكالماتهم أو حفظ معلومات هواتفهم (إن كان ذلك يتم مع المبلغ) ، واجزم ان إنشاء موقع الكتروني تتبناه الهيئة أو أي من مؤسسات المجتمع المدني سيتفوق على كل الدراسات المسحية التي تقوم بها مكاتب استشارات تعتمد على الجوانب النظرية وتقدم نتائج وتوصيات لا تعدوا كونها (حكي) وصرف فلوس .
** اليوم نسمع كثيرا من قصص الفساد في مجالسنا، وقد لا يصل منها إلى جهات الاختصاص إلا النذر اليسير ولا يتقدم بها إلا من فرغ نفسه لصداع المراجعات وتصوير الأوراق، اجعلوا الناس تتحدث عن قصصها مع الفساد وستجدون ما يشيب له الرأس ، وحينها سنعرف جميعا حجم الفساد، سيكون الأمر بالفعل مؤلما، ولكنه أفضل من السكوت وانفع لأجيالنا المقبلة، لكنه قد يكشف أن رسائل نزاهة المعلبة ليست إلا محاولات بسيطة لا تسمن ولا تغني من جوع.