| |
المنشود الأضحية بين السُنَّة والوجاهة!! رقية سليمان الهويريني
|
|
وأنتم تقرؤون هذه المقالة أكاد أجزم أنه لا يخلو منزل في المملكة من خروف العيد أو بالأحرى (خواريف الضحية)، حيث قد يتجاوز العدد في البيت عشرين خروفاً ما بين أضحية عن الشخص ذاته ووصايا وأسبال تُذبح في يوم واحد أو يتم جدولتها بحسب أيام العيد! والأضحية في مفهومها الشرعي سنة مؤكدة بل هي من السنن الجميلة، ولا يُلزم المسلم بها حيث إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد ضحى بكبشين أقرنين عنه وعن أمته إلى يوم القيامة. ومع أنه من المستحب النحر يوم العيد وإراقة دماء الأنعام فيه على اعتبار أنها عبادة يحبها الله تعالى، إلا أن الأمر قد تعدى هذا المفهوم الشرعي إلى مفهوم اجتماعي، حتى صار من غير المستغرب أن يُطرح السؤال (بكم ضحيتوا ها السنة)؟ وأصبح الأطفال (يتجاكرون) بعدد الأضاحي التي ذبحوها يوم العيد!! إن إحياء هذه الشعيرة لا بد أن يرتكز على أسس صحيحة وتطبيق لقواعدها وشروطها بحيث يتم تقسيمها على ثلاثة أوجه (هدية وصدقة وطعام ذاتي) أو ما هو معروف (ثلث للجار، وثلث للمار، وثلث للدار)!! ولكن الملاحظ أن الأضاحي على كثرتها تُقام عليها حفلات غداء وعشاء ويُدعى إليها بعض الأقارب والأصدقاء أو يوضع أغلبها في (الفريزر) ويتم الأكل منها على مدى عام كامل أو بشكل يومي أو في اليوم مرتين!! وفيها تحولت الأبدان إلى أجساد محشوة بالشحوم منخورة بالأمراض، وباتت صحتنا عرضة للمقايضة!! وما انتشار مرض النقرس في بلادنا إلا بسبب أكل اللحوم الحمراء على الدوام، ويعد سكان المملكة من أكثر سكان الدول المصابين بهذا المرض! مما يجعلنا نتساءل: أَلسنا بحاجة ماسة إلى ثقافة غذائية؟! فلا يصبح غذاؤنا هو داءَنا بعد أن كان دواءنا؟!. ولعله من المناسب الدعوة للاقتصار على أضحية واحدة تُذبح في المنزل بحضور جميع أفراد العائلة، ويتم توزيعها حسب السُنَّة. أما الوصايا والسبيل التي اعتاد الناس على كونها أضحيات فيمكن شراء مجموعة من (سندات الأضاحي) بأسعار معقولة من لدن رابطة العالم الإسلامي ممثلة بهيئة الإغاثة الإسلامية، أو الندوة العالمية للشباب الإسلامي حيث تُذبح في مناطق الكوارث والمناطق المنكوبة في الدول الإسلامية، أو تُوزع على الفقراء الذين يتضورون جوعاً فتسد رمق جائع وقد تنقذه - بمشيئة الله - من موت محقق كما يمكن تحقيق الوصية في أوجه الخير الأخرى من حفر آبار مياه صالحة للشرب أو كساء أو توفير سكن للفقراء يؤويهم من زمهرير الشتاء ولهيب حرارة الصيف، فأبواب الخير مُشرَّعة وليست مقتصرة على لحوم الأضاحي!! إن الإسراف في الموائد بالأعياد والتخلص من كميات هائلة من اللحوم الفائضة عن الحاجة في الوقت الذي يضرب الفقر أطنابه في أنحاء العالم الإسلامي، لهو أمر يستحق الوقفة والتأمل بل الخوف والخجل!! وأرجو ألا نلجأ للتبرير بأن الله قد أنعم علينا فنحن نستمتع بنعمه، وعلى الرغم من شرعية هذا الأمر، إلا أنه لا بد من واقعية فهم الشريعة بأن يكون لإخواننا الفقراء حق في طعامنا وكسائنا وأموالنا. وإن كنا نتفنن ونبدع في إعداد اللحم يوم عيد الأضحى (بأنواع المندي والمظبي والحنيذ والحميس وأشكال المشاوي والأوصال والكباب وألوان الشاورما أو البرجر!!) وغالبها - بلا شك - يحمل الكثير من الدهون، فإن وكالات الأنباء العالمية تنقل لنا صوراً مؤلمةً عن شعوب يبحث فيها الفقراء عن كسرة خبز بين أكياس النفايات وهي في طريقها إلى المحرقة المخصصة لذلك، وقد تقوم منازعات ومشادات عند العثور على قطعة خبز - بين الركام - وقعت عليها أكثر من عين، وتناهبتها أكثر من يد! بل إن تلك الوكالات تنقل لنا صوراً تبعث على الأسى والتقزز، فتظهر الأطفال الفقراء وهم يتسابقون مع السباع والجوارح على الجيف والميتة! والأكثر ألماً حين تراهم يتقاتلون مع النمل لأخذ ما في بيوتها وأفواهها من حبوب، وإن أعيتهم الحيلة أكلوا النملة مع مغنمها الضئيل!! فلا تدري هل ترحم الفقير أم ترحم نملة الفقراء!! إن الوضع القائم الآن من نحر أعداد هائلة من الأضاحي برغم غلاء أسعارها الذي وصلت به بعض أنواع الأغنام إلى ألفي ريال حسب نوعها وجمالها وحسنها وسحرها ودلالها وجاذبيتها!! ومن ثم الاستعانة بعمالة وافدة للقيام بالذبح - مع اشتراط الجزار مائة ريال أو تزيد على كل رأس يذبحه - كل ذلك يُفقد عيد الأضحى شكله الجميل ومضمونه الدافئ في حين كان الذبح قبل سنوات مضت يتم بشكل تلقائي وحميمي يقوم فيه رب الأسرة بمشاركة زوجته وأبنائه وبمباركة والديه، فينشأ الأبناء محبين لهذه السُنَّة متمسكين بها ينتظرونها عاماً بعد عام! والآن - بعد قراءة هذا المقال - كم ضحية تبون تذبحون هالعيد؟؟!
ص.ب 260564 الرياض 11342
rogaia143@hotmail.com |
|
|
| |
|