بعد مرور ما يزيد على ثمانية وخمسين عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي صدر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د - 31) بتاريخ 10 كانون الأول - ديسمبر 1948م، وما تبعه من اعلانات وعهود ومواثيق من صياغة اللجان المتخصصة في مجال حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أهمها العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمد بقرار الأمم المتحدة رقم: 2200 - أ (د- 21) بتاريخ 16 ديسمبر 1966م، والذي تقرر نفاذه اعتباراً من 23 مارس 1976م تطبيقاً للمادة (49) منه وكذا الميثاق الدولي الخاص للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعتمد بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2200 - أ وتاريخ 16 ديسمبر 1966م، والذي تقرر نفاذه اعتباراً من 3 يناير 1976م تطبيقاً للمادة (27) منه لا تزال دول العالم منقسمة وغير متفقة على معظم بنود ومواد هذه الاعلانات، والمواثيق وما ذلك إلا بسبب عدم مراعاة هذه الاعلانات والأنظمة والعهود لخصوصيات الأمم، والشعوب المنضوية تحت منظومة الأمم المتحدة، والتي تتحكم في صدور قراراتها مجموعات محددة من الدول لها نفوذ سياسي قوي وموجه لعدد كبير من دول العالم تستطيع من خلاله تحقيق الأغلبية، لكل قرار، وإعلان يتم التصويت عليه من الأمم المتحدة، وإن كان هذا القرار ضد مصالح، ومبادئ، وديانة الدول التي أعلنت الموافقة عليه، وبهذا يأخذ هذا الاعلان أو القرار أو العهد صفة المشروعية الدولية والمرجعية في مواثيق حقوق الإنسان، واتفاقياته رغم تحفظ دول أخرى على بعض بنود هذه الإعلانات لأنها تنافي عقائد وأديان وقيم شعوبها وكذا الدول التي وافقت عليه نتيجة للضغوط السياسية من الدول النافذة بالأمم المتحدة الهادفة إلى تسيس مسائل حقوق الإنسان، وجعلها أداة ضغط سياسي على باقي دول العالم التي لا تنهج منهجها الفلسفي الغربي - الديمقراطية الغربية - ولقد شدني للكتابة عن ذلك مقال الدكتور عيسى الشامخ والذي نشر في الجزيرة بالعدد رقم: 12497 تاريخ 25-11- 1427هـ الموافق 16-12-2006م وما رآه أو طالب به الأمم المتحدة من اعادة النظر في صياغة الاعلانات وعهود ومواثيق حقوق الإنسان بحيث تراعي عقائد وأديان وقيم الشعوب، ودساتيرها المرتبطة بها، كما رأى أنه يجب على الدول الإسلامية ألا تتعاون مع أية آلية دويلة لحقوق الإنسان تطالب بتطبيق المعايير الدولية في مسائل حقوق الإنسان، دون اعتبار واكتراث بدساتير الشعوب المرتبطة بعقيدتها، ودينها كما دعاني للكتابة أيضاً ما صرح به لجريدة الجزيرة في عددها رقم 12491 وتاريخ 19- 11-1427هـ معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان بالمملكة الأستاذ تركي بن خالد السديري بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان من أن صورة العالم اليوم لا تبشر بخير ما لم يعد الإنسان إلى قيمته الإنسانية الأصيلة. وما أريد أن أذكره وإن كان جزماً لا نخص على الدكتور عيسى وهو من المدافعين عن وجهة نظر المملكة في أروقة الأمم المتحدة وغيرها منذ عشرين عاماً أن المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي تحفظت كما لم تنضم حتى الآن إلى الموقعين على (الاعلان العالمي لحقوق الإنسان) ولا إلى (الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) على أن عدم انضمامها كما سيتضح لاحقاً ليس تنكراً لهدف الإعلان ولا الميثاق الدوليين والذي هو (كرامة الإنسان) كما صرحت به نصوصهما وإنما لأسباب جوهرية الهدف منها التصميم على بقاء (كرامة الإنسان) محمية من غير تمييز ما بين إنسان وآخر بدافع من العقيدة الإلهية، لا بدافع القوانين الوضعية المادية وتنقسم تحفظات المملكة على الإعلان العالمي والميثاق الدولي لحقوق الإنسان إلى قسمين: أولاً: التحفظات الجزئية: 1- التحفظ على المادة السادسة عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تعطي (للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج الحق بالتزوج بدون قيد بسبب الدين). وهذه المادة التي تظهر أن وضع قيد على المرأة المسلمة في حرمة زواجها من غير المسلم أو زواج المسلم من امرأة وثنية، أو لا تؤمن بالله مطلقاً، أو العكس يعتبر مخالفاً للمادة السادسة عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتلخص تحفظ المملكة على هذه المادة في أن منطلق الإسلام فيما جاءت به المادة لا ينطلق من حيث إنه قيد للحرية في الزواج بسبب الدين؛ إنما ينطلق من حيث وجوب صيانة الأسرة من الانحلال بسبب الاختلاف في الدين عند عدم احترام الزوج بموجب عقيدته لمقدسات زوجته، حيث إن المرأة أحد عنصري الأسرة الأكثر حساسية في هذا الموضوع وذلك على النحو التالي: أ- زواج المسلم من امرأة وثنية أو لا تؤمن بالله مطلقاً محرم على المسلم؛ لأن عقيدة المسلم لا يمكن أن تحترم بحال من الأحوال مقدسات هذه الزوجة، أو معتقداتها، مما يعرض الأسرة إلى النزاع، ثم الانحلال، فكان من المنطق حينئذ أن يحرم الإسلام مثل هذا الزواج. ب- زواج المسلم من امرأة مسيحية أو يهودية أجازه الإسلام لأن الرجل المسلم يعتقد أن السيد المسيح رسول من الله، كما يعتقد أن أمه السيدة مريم مبرأة مما اتهمها به اليهود، كما يعتقد أن موسى عليه السلام رسول إلى بني إسرائيل، وبناءً على هذا لا تجد الزوجة المسيحية ولا اليهودية التي تبقى على دينها بعد زواجها من الرجل المسلم ما ينفرها من زوجها المسلم ويعرض الأسرة إلى الخصام والانحلال، وبهذا يظهر عدم تحريم الإسلام لهذا الزواج على الرغم من اختلاف الدين. ج- أن زواج غير المسلم مسيحياً كان أو يهودياً من مسلمة قد حرمه الإسلام؛ لأن الزوج المسيحي، أو اليهودي لا يعتقد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلام، وأنه رسول الله، بل يعتقد فيه كل منكر من العقيدة والقول، مما ينفر الزوجة المسلمة من زوجها ويعرض الأسرة إلى النزاع ثم الانحلال، وهذا مما لا يدعو له الإسلام، بل يهدف إلى المحافظة على الأسرة وعلى علاقات أفرادها. 2- التحفظ على المادة الثامنة عشرة من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن: (لكل شخص الحق في تغيير دينه) ويتلخص تحفظ المملكة على هذه المادة من منطلق أن الإسلام لا ينطلق من حيث إنه قيد للحرية في الحق لكل شخص بتغيير دينه، وإنما ينطلق من قمع لمكيدة يهودية حدثت في صدر الإسلام حين أسلم جميع عرب المدينة المنورة واتحدت كلمتهم بعد خصومة مسلحة بينهم خطط لها اليهود اللاجئون عندها فكر اليهود بخبث على أن يدخل بعضهم في الإسلام ثم يرتد عنه ليشكك العرب في دينهم وليضللهم في معتقدهم، فتولد عن ذلك الحكم الإسلامي في منع تغيير المسلم لدينه مع العقوبة عليه حتى لا يدخل أحد في الإسلام إلا بعد سبق بحث عقلي وعلمي ينتهي بالعقيدة الدائمة. أما حرية العقيدة ابتداء فلا حظر عليها في الإسلام، ولهذا قال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وقوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}, وقوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. 3- التحفظ على المادة الثامنة من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي أعطت (لكل عامل الحق في تكوين اتحادات عمالية دون أن يكون خاضعاً إلا إلى أحكام منظمته)، كما صرحت بأنه: (لا يجوز وضع أي قيد على ممارسة هذا الحق)، كما أعطت العامل أيضاً: (حق الإضراب بشرط أن يمارس طبقاً لقوانين الدولة المعنية) ويتلخص تحفظ المملكة على هذه المادة بأن من دعا إلى هذه المادة وإقرارها هي الماركسية وذلك في القرن التاسع عشر الميلادي وهي من سلبت العمال هذا الحق في جميع الدول الشيوعية آنذاك، ولا تعترف إلا بسلطانها وحدها لذا فهي تضرب عنق كل من يهدد بالإضراب أو يمارسه، كما أن حكومة العمال البريطانية عندما كانت على سدة الحكم هي التي تشتكي من هذه الاتحادات العمالية، واضراباتها التي لم تكن في مصلحة البلاد، والتي كان 90% منها مخالفاً للقانون، وكذلك الحال في الولايات المتحدة الأمريكية فهي من الدول التي اتخذت تشريعات قومية لتحد من هذه الحقوق المطلقة، حيث أصدرت قانوناً منحت به الرئيس الأمريكي حل أي اتحاد عمالي عندما يرى ذلك ضرورة لأمن البلاد ومصلحتها؛ ولذلك فالمملكة العربية السعودية تحفظت عن بصيرة تجاه هذه المادة وما فيها من حقوق مطلقة غريبة، ومعها حق الإضراب؛ وذلك حماية لمصالح العمال أنفسهم، ولمصالح الاقتصاد الوطني، واستبدلت بذلك قانوني العمل، والتأمين الاجتماعي اللذين أخذت فيهما بجميع المبادئ الدولية التي وضعت لصالح العمل والعمال، وبصورة خاصة حق الأجر العادل، وحق العطل المأجورة، وتحديد ساعات العمل، وحق الإجازات السنوية المأجورة، والشروط الصحية، والوقائية والتأمين الصحي، وتعويض الإصابة حسب درجاتها، وحق المعاش عند بلوغ السن القانوني، مما جعل المملكة العربية السعودية في ميدان حقوق العمل بمصاف البلاد المتطورة. ثانياً: التحفظات على الإعلان العالمي، والميثاق الدولي لحقوق الإنسان بصورة عامة: جاء تحفظ المملكة العربية السعودية على الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية ليس تنكرا لهدف هذا الاعلان أو الميثاق والذي هو (كرامة الإنسان) وإنما لبيان ما جاءت به الشريعة الإسلامية من أصول حقوق الإنسان في الإسلام والمطبقة في المملكة ومنها: - كرامة الإنسان عملاً بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. وعدم التمييز في الكرامة وفي الحقوق الأساسية ما بين إنسان وآخر، لا في العرق ولا في الجنس ولا في النسب ولا في المال عملاً بقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}, وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى) وقوله: (النساء شقائق الرجال). - النداء بوحدة الأسرة الإنسانية، وإن خير بني الإنسان عند الله هو أكثرهم نفعاً لهذه الأسرة عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله). - الدعوة إلى التعارف والتعاون على الخير وتقديم جميع أنواع البر إلى جميع بني الإنسان دون النظر إلى جنسيته ودينه عملاً بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}, وقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }. - حرية الإنسان في عقيدته، وعدم جواز ممارسة الإكراه فيها عملاً بقوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}, وعملاً بقوله تعالى: { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}, وذلك في استنكار استعمال الضغط على حرية الإنسان في العقيدة ابتداء. - حرمة العدوان على مال الإنسان وعلى دمه وعرضه عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (حرام عليكم أموالكم ودماؤكم). - حصانة البيت لحماية حرية الإنسان عملاً بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. - التكافل فيما بين أبناء المجتمع في حق كل إنسان بالحياة الكريمة، والتحرر من الحاجة والفقر بفرض حق معلوم في أموال القادرين ليصرف لذوي الحاجة على اختلاف حاجاتهم عملاً بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}, وقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}. - ايجاب العلم على كل مسلم من أجل القضاء على الجهل عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، مع فتح آفاق السماء والأرض للنظر فيها والنفاذ إليها عملاً بقوله تعالى: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، وقوله تعالى: {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ}, أي بسلطان العلم. فرض العقوبة على الممتنعين عن التعلم أو التعليم مما لم تصل إليه بعد حقوق الإنسان في أية دولة, وذلك عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما قبل إنشاء المدارس ودور التعليم (ليتعلمن قوم من جيرانهم وليعلمن قوم جيرانهم، أو لاعاجلنهم العقوبة). - فرض الحجر الصحي في حالات الأمراض المعدية منذ أربعة عشر قرناً، وقبل أن تنتبه أية دولة حينذاك لادخاله في تشريعها، وذلك مبالغة في حماية الصحة العامة من المرض إلى جانب حماية المجتمع من الفقر والجهل كما تقدم، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ظهر هذا الوباء في أرض وكنتم فيها فلا تخرجوا منها، أو كنتم خارجين عنها فلا تدخلوها). - وهناك كثير من النصوص التشريعية الإسلامية التي لا تحصى لحماية هذه الحقوق التي أشرنا إليها أعلاه، وهي في مجملها تشرح حقوق الإنسان الأساسية التي لا يجوز مساسها، كما تتناول بالتفصيل حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من آفاقها الإنسانية العليا التي لا تميز ولا تسمح أن يميز فيها ما بين إنسان وآخر بأي نوع من أنواع التمييز، وخاصة بسبب الأمور التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهي: (الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو البلاد)، بل وتزيد الشريعة الإسلامية على ذلك مما لم يتنبه إليه واضعو ميثاق حقوق الإنسان وقد نص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ويستدل من هذه الآية الكريمة على عدم التمييز أيضاً في هذه الحقوق بسبب الحقد والعداء، وكذلك أعلن الإسلام بأن النساء شقائق الرجال، وأن لهن من الحقوق مثل ما عليهن من الحقوق، إلا ما جعل للرجال من حق في رئاسة الأسرة وتحمل مسؤولياتها لما بني عليه تكوين الرجال من خصائص تجعلهم في الأصل أرجح في حمل هذه المسؤولية الاجتماعية الثقيلة، وما هذا في الحقيقة إلا عبء ثقيل وضع على عاتق الرجل وحررت منه المرأة، من غير أن يكون في ذلك مساس بالكرامة المتساوية أو الحقوق المتساوية، وفي ذلك منتهى العدل والابتعاد عن الظلم فيما بين الجنسين. ويتضح من هذه النصوص التشريعية في الإسلام مقدار حرص الإسلام على حقوق الإنسان الأساسية، ومقدار عناية الإسلام بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولم يتخذ الإسلام من هذه النصوص مواعظ أخلاقية، بل أوامر تشريعية، وأقام إلى جانبها جميع النصوص التشريعية اللازمة لضمان تنفيذها، وهذا ما لم تصل إليه بعد نصوص (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، ولا نصوص (الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان)، بل ظلت هذه النصوص الدولية في مرتبة التوصيات الأدبية التي لا ضامن لها من الضمانات التشريعية لا على المستوى الدولي، ولا على المستوى القومي، وهذه هي تحفظات المملكة على الميثاق بصورة عامة. من هذه الركائز الأساسية لحقوق الإنسان التي جاءت بها الشريعة الإسلامية بنت المملكة العربية السعودية أنظمتها المختلفة التي حفظت فيها حقوق الإنسان بشكل متكامل بدءاً من النظام الأساسي للحكم الذي تنص المادة الثامنة منه على أن الحكم يقوم على العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية، كما نصت المادة السادسة والعشرون على أن: (تحمى الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية) وغيرهما من المواد كما تم بناء نظام القضاء، ونظام المرافعات الشرعية، ونظام المحاماة، ونظام الإجراءات الجزائية ولوائحها التنفيذية على هذه الأصول الشرعية المراعية لحقوق الإنسان. وواكب ذلك إنشاء ديوان مجلس الشورى، وديوان المظالم، وهيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة التحقيق والادعاء العام، عدا المجالس المفتوحة للمواطنين كمجلس الملك، ومجلس ولي العهد، ومجالس أمراء المناطق، ومجالس المناطق، وإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، وهيئة حقوق الإنسان الحكومية، وأخيراً المجالس البلدية التي تمت عن طريق الانتخابات، وأنني لا أعتقد تحقق ما يطالب به الدكتور عيسى من الأمم المتحدة بأن تعيد النظر في صياغة إعلانات وعهود ومواثيق حقوق الإنسان بحيث تراعي عقائد وأديان وقيم الشعوب وذلك في المستقبل القريب وذلك: أولاً: لأن الاختلاف سنة جبل الله عليها الخلق بدليل قوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ }(118) سورة هود. ثانياً: لأن الوقت الحاضر وقت صراع أيدلوجي بين الأمم تدور رحى الحرب فيها بشكل علني، وخفي، وستكون العاقبة حتماً لمن هو على الحق والمطلوب حالياً تطبيق مبادئ حقوق الإنسان في البلاد الإسلامية بشكل صحيح حتى نثبت للعالم أننا نستحق أن نكون قدوة في ذلك عندها سنجد أن تعاليم الإسلام في مجال حقوق الإنسان هي الأصلح لكل دول العالم على الرغم من اختلاف دياناتهم.
* باحث في مجال حقوق الإنسان والعدالة الجنائية
|