Al Jazirah NewsPaper Friday  29/12/2006G Issue 12510الثقافيةالجمعة 09 ذو الحجة 1427 هـ  29 ديسمبر2006 م   العدد  12510
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

أفاق اسلامية

أبناء الجزيرة

الرأي

الركن الخامس

عزيزتـي الجزيرة

سين وجيم

زمان الجزيرة

الأخيــرة

أعداء السفسطة..يخافون عليها

جمعتني الظروف بثلة من أعداء ابن رشد ونيتشه وجان جاك روسو وغيرهم من أهل الفلسفة والمنطق، وانهالت السفسطة والفبركة وألفاظ المعاني والوجوه العدة، فعادت بضاعة ابن رشد ورفاقه إليهم، ثم جمعتني الظروف إياها بعدد من الصحف والملاحق التي أشهر كتابها السيوف الصمصامة ضد السفسطة والفلسفة والماورائيات بحق وبغير حق، وليس هذا موضع النقاش هنا؛ فالفلسفة بحر خاضه العرب والعجم ولم يبلغوا له ساحل، فكيف يختزل في مقال أو يحكم عليه بفتوى واحدة جامعة مانعة قابضة عليه من جميع جوانبه؟.. كذلك جمعتني الظروف بمؤلفات لأعداء السفسطة رفعوا بها رصيد السفسطة وأعلوا شأنها وأظهروها من قمقمها النخبوي، وأعطوها اصطلاحات متنوعة زادتها رونقاً وبهاءً، ويسروها للدهماء كما يعبر عنهم التوحيدي، فلم يعد بالأمر الغريب أن تقرع مسامعك السفسطة في مجامع العامة.. نعم أعداء السفسطة بضاعتهم السفسطة ولو ماتت لماتوا، فليس لهم سبيل إلا بإحيائها، ليس لهم سبيل إلا بعدائها، ليس لهم سبيل إلا بتشويهها كما يظنون.

المنطق علم يجمع الأصول والقواعد التي يستعان بها على تصحيح النظر والتمييز.. وهنا يكمن الاستعمال الصحيح لنعمة العقل وشكرها.. والنعم إن لم تشكر تزول. فيا عدو العقل استخدم عقلك قبل أن يزول فتتمناه ولات حين مندم.. وانظر للأوامر الإلهية باستخدام العقل:

أولا: العقل الوازع {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.

ثانياً: العقل المدرك {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}.

ثالثاً: العقل المفكر {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.

أورد العقاد في كتابه (التفكير فريضة إسلامية) آيات عدة تحث على استخدام العقل ثم عقب بقوله: (هذه الآيات وما جرى مجراها تقرر ولا جرم فريضة التفكير في الإسلام، وتبين منها أن العقل الذي يخاطبه الإسلام هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأمور، ويوازن بين الأضداد، ويتبصر ويتدبر ويحسن الإذكار والروية، وأنه العقل الذي قابله الجمود والعنت والضلال.. وليس بالعقل الذي قصاره من الإدراك أنه يقابل الجنون. انتهى

ومن هنا نأتي للمصطلح: العقل عند ثعلب: أصله الامتناع، يقال عقلت الناقة إذا منعتها من السير، وعند الرازي: الحجر. والنهى.

وعند بعضهم: الرشد، والبعض الآخر: الحلم، وعند جدي وجدك: (الركادة) وقلة الحركة والشغب، وعند أجداد الصينيين الحكمة، وأجداد الهنود: الأخلاق، وعند ابن الجوزي في كتابه (الأذكياء): الآلة في تحصيل معرفة الإله، وبه تضبط المصالح وتلحظ العواقب، وتدرك الغوامض، وتجمع الفضائل.. وأفضل من كل هذا قول خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم (لا تعجبوا بإسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة عقله) رواه ابن عمر.

أما محله فنقل الفضل بن زياد عن أحمد أن محله الدماغ، وهو قول أبي حنيفة، وروي عن الشافعي أنه في القلب، والدليل {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}، وقوله {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ}، وبهذا قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -.

إذن المنطق: بحث عن الحقيقة من طريق النظر المستقيم والتمييز الصحيح، وآلة ذلك العقل.. أما الجدل، وبالمناسبة كلما سمعت هذا المصطلح تذكرت الدكتور سلمان العودة، هذا الشيخ العصري الذي أعطى المرونة والعمق في الكلمة المنطوقة أو المكتوبة، أتذكر عندما ناقشته في بعض مباحث كتابه أو بحثه الصغير (أدب الحوار) فقال: الجدل: كلمة عنيفة، أما الحوار فكلمة أخف، الجدل يوحي بالأخذ والرد بعنف، انتهى. إذن الجدل: هو بحث عن الغلبة والإلزام بالحجة، فالركن الركين فيه والهدف الرئيس هو الفوز وطرح الخصم أرضاً مضرجاً بضحالة فكره وضيق أفقه.. المنطق والجدل ظهر بين اليونان فأدنوا المنطق واشتبهوا في الجدل، وسموه بعد ذلك ب (السفسطة) أو البراهين الخطابية. ظهر اسم (السفسطة) في نشأته الأولى مبجلاً بين الحكماء واسم (السوفيست) أجل خطراً من اسم الفيلسوف؛ لأن السوفيست ينتمي إلى ربة الحكمة صوفية، فهو الحكيم الذي ألهمته تلك الربة وفرغ من مؤنة المعرفة، فلما ظهر فيثاغورس تواضع وتسمى بالفيلسوف أي يطلب الحكمة ولا يدعى الوصول إليها.

شاعت كلمة السفسطة وكثر الاشتغال بالبرهان في المنازعات القضائية والمداولات السياسية، واتضحت السفسطة واتضحت الفلسفة وفرق بين المصطلحين. وصرح أصحاب كل صناعة بما يريدونه من عملهم وتعليمهم، وعرفوا أن المنطق بحث عن الحقيقة، والجدل بحث عن المصلحة، هذا في غابر الأزمان، وكان يا ما كان.. فيا ليت السفسطائيون، عفواً ليت أعداء السفسطة يفرقون بين المصطلحين، ويفتحون صفحة جديدة ويعطوننا علماً لا تشويهاً وذلك بتحوير بسيط وعرك للأعين التي ترفض الاستيقاظ من النوم.

يحكى أن أستاذاً (سفسطائيا) اتفق مع تلميذه أن يخرجه للدفاع في القضاء خلال عامين بأجر متفق عليه، فلما انقضت المدة طلب الأستاذ أجره فقال التلميذ: بل أناقشك في هذا الأجر، هل تستحقه بعملك أو تطلبه بغير حق فإن أقنعتك بأنك لا تستحقه فلا حق لك باعترافك، وإن لم أقنعك فلا تستحقه أيضاً لأنك لم تحسن تعليمي، كيف أقيم البرهان على دعوى، فقال الأستاذ: أقبل النقاش ولكن على غير هذه النتيجة، أناقشك في حقي فتعطيه مرة إذا ثبت عليك وتعطيه مرتين إذا لم يثبت عليك، لأنني علمت تلميذاً ما يغلب أستاذه في صناعة البرهان، فأحرق هذا المعلم بيت المتنبي

أعلمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني

أعداء السفسطة يرون السفسطة (الفلسفة)، فكما أسلفنا يقع الخلط كثيراً بين المعاصرين في مصطلحات السفسطة - الفلسفة - المنطق.. يرونها سلعة أجنبية مفخخة تنفجر في العقول فتخرج نتنها، أيضاً يصمونها بعدم النفعية، وهنا يتواطأ قولهم مع قول (الأوروبيين) في القرن التاسع عشر أن الأمم الشرقية تطلب العلم للمنفعة ولا تطلبه للمعرفة، كما كان الإغريق يطلبونه في الزمن القديم، ودليلهم أن المصريين والبابليين والفرس والهنود يدرسون العلوم التي تنفعهم في البناء والزراعة والعلاج.

أما الإغريق فاهتموا بالبحوث الفلسفية، وفي هذا تعسف ظاهر، فعندنا علوم نفعية ولا ضير ولا بأس فنحن من بني آدم ولسنا ملائكة، وعند الإغريق كذلك، وعندنا في فترات متباينة من الزمن الذي يمتد آلاف السنين والسنين علوم ومباحث فلسفية ولكن الفرق في تلك الأزمنة بين الإغريق والشرق أن البحوث عندهم مباحة وعند الشرق العريق محرمة، فبلاد الإغريق نشأت وتطورت دون ملك قوي وكهانة كذلك، ولو قامت لديهم كما في مصر وبابل لكانوا سواء، فطبيعة مصر وبابل هيأت نشوء الممالك الراسخة فنشأت معها كهانات قوية تستأثر بالبحث وعلوم الغيب وتحرمها على الآخرين.

وفي فترة من الفترات وهي الصور الوسطى لم يظهر فيلسوف أوروبي واحد عدا بعض شراح وتلامذة العرب الأندلسيين الذين يقتاتون على موائدهم.. وكذلك الإسلام لم يضق صدره بالفلاسفة ولم يقتل أحداً لفلسفته كما حصل في اليونان عاصمة الفلسفة وغيرها، سقراط قتل، أفلاطون بيع في سوق النخاسة، أرسطو لاذ بالفرار لما رأى عاقبة سقراط بعدما رماه أحد الكهنة بالإلحاد وقيل إنه ألقى بنفسه في البحر، فيثاغورس مات مقتولاً بجانب مزرعة فول.

أما في الإسلام فابن سينا سجنه أمير همدان ليبقيه إلى جواره لكي لا يلحق بأمير أصفهان، ولم يسجنه بسبب آرائه، ابن رشد أصابته النكبة لأنه لقب المنصور في بعض كتبه ب (ملك البربر) وغيره وغيره.

أعداء السفسطة يخافون عليها.. شيخ الإسلام أقبل على مؤلفات الفلاسفة وأهل الكلام وناظرهم بمصطلحاتهم وبيّن الحق، وهذا من أنواع البحث عن الحقيقة من طريق النظر المستقيم والتميز الصحيح، وهذا ما نصبو إليه. فهنا لست أدعو للفلسفة والمنطق والأبراج العاجية، فإن كان أعداء السفسطة يسمون البحث عن الحقيقة (سفسطة وفلسفة ومنطقة) فأنا (متسفسط متفلسف متمنطق). أعداء السفسطة يخافون عليها.. شيخ الإسلام إذا فرغ من المناظرة عاد للتفسير والأصول والسُّنة، أما هؤلاء فلا شغل لهم إلا السفسطة وبموتها يموتون.

وبعد هذه السفسطة والفلسفة والمنطقة.. كل عام و(السفسطائيون) بخير.

تركي بن رشود الشثري


turki542@aseej.com


نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved