| |
السيطرة والامتلاك!! نادر بن سالم الكلباني
|
|
قد ينعم الله سبحانه وتعالى على بعض خلقه بنعم خاصة، وبمواهب متعددة تُفضّلهم وتُميّزهم بمقاييس دنيانا عن غيرهم من خلقه، لكنهم رغم امتلاكهم لهذه النعم لا يستطيعون السيطرة عليها أو التحكُّم بها، فيخرج من باطن هذه النعم نقم شتى تؤكد أن امتلاك الشيء لا يعني بالضرورة الاستفادة منه إلا لمن كان له قلب هداه الله لخير ما عنده، وربما يُحرم بعض خلق الله من أمور شتى فتخرج عن دائرة امتلاكهم لها، لكنهم رغم هذا يستطيعون السيطرة عليها والاستفادة منها وتوجيهها ربما أكثر ممن امتلكها فيظهر من قلب الحرمان نعمة يُستفاد منها، بعبارة أخرى، أننا قد نمتلك الأشياء لكننا رغم امتلاكنا لها نعجز عن التحكُّم بها أو السيطرة عليها فنفقد استفادتنا منها، وفي الجهة المقابلة قد نسيطر على بعض الأشياء ونستطيع التحكُّم بها وإن كنا لا نتملَّكها فنستفيد منها كما لو أننا نمتلكها، وما بين امتلاك الشيء أو عدمه، والقدرة على التحكُّم والسيطرة، مساحة كبيرة تحدد قيمة الإنسان وقدرته على التعايش مع موجودات حياته والخروج منها بأقصى استفادة ممكنة. من النعم التي أوجدها الله للناس كافة، نعمة الوقت، فلم يُميَّز أحدٌ بأن مُنح يوماً فاقت ساعاته ما مُنح لغيره، ولم يخلق الله فصول الوقت، ليخص بها فئة من الناس عن غيرهم، لكنه - سبحانه - خلق الوقت ومتغيراته للناس كافة، فكلنا نملك الوقت لم يُميَّز أحدٌ منا في هذا، لكن غالبيتنا لا تستطيع التحكُّم بهذه النعمة أو السيطرة عليها، فيمضي الوقت بهم دون أن يحدث في حياتهم ما ينتفعون به، أو يبقونه رصيداً ليوم تبحث فيه كل نفس عما يدفع عنها السؤال، ناهيك عن الجزاء والعذاب، هذا الوقت الذي نملكه لا نستطيع أيضاً أن نتحكَّم في عدد ساعاته وموعد شروق شمسه أو غروبها، أو نتحكَّم في فصوله لتناسب حاجاتنا الآنية. وفي المقابل نحن لا نملك أبناءنا أو أصدقاءنا الأوفياء بمشاعرهم ونفسياتهم وما يُميّزهم، ولا نملك الأشخاص بتنوُّع مراكزهم أو قدراتهم من حولنا، لكننا قد نسيطر أو نتحكَّم ببعض ما يفعلونه ونُوجّه ما يملكونه من قدرات ومهارات لما نعتقد أن فيه ما ينفعنا، وهكذا تُقاس الأمور بين امتلاك دون تحكُّم أو سيطرة، وبين سيطرة دون امتلاك، ويبقى الفطن السعيد الذي يعرف ما يمتلكه ليحكم سيطرته عليه والاستفادة منه عوضاً عن البحث عن التحكُّم فيما لا يمتلكه.. والله المستعان.
nalkalbani@hotmail.com |
|
|
| |
|