| |
عفواً أيها الشيخ: فضيحة أم نصيحة؟! ماجدة السويِّح
|
|
الدعوة إلى الله من الأعمال الجليلة والمهمة لصلاح الأمة وتماسكها، وهي من أهم الفروض الواجبة على المسلمين عموماً، وعلى العلماء بصفة خاصة والواجب على المسلمين أن يقبلوا النصيحة ويستفيدوا منها. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} «33» سورة فصّلت. وقد كان للدعاة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى عصرنا الحاضر دور كبير ومميز في خدمة الإسلام وأهله. فكم من عاص منَّ الله عليه بنعمة الهداية على يد داعية من الدعاة! الذي اتخذ من مخاطبة العقل والعاطفة سبيلاً لبلوغ قلوب الناس بلا استئذان فكانت النصيحة تطرق قلوب العصاة، لتنفذ إليها لأنها خرجت من قبل محب مشفق. منذ مدة سمعت أغرب أسلوب في النصيحة من فوق المنبر، سمعت الشيخ وأنا في البيت بصوت غاضب وحاد يكرِّر سؤالاً واحداً (ابن من هذا؟!) أكثر من مرة، ثم ألقى كلمة عن التربية ودور الآباء في تربية الأبناء. جلست أسأل نفسي ما الذي فعله هذا الطفل، لا بد أنه ارتكب أمراً شنيعاً ليتلقى نصيحة من على المنبر (عفواً فضيحة). قال الإمام الشافعي: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد نصحه وشانه. بعد ذلك علمت بأن الطفل كان يصلي مع الجماعة، وحينما أحس بالعطش، قطع صلاته وشرب ماء ثم عاد ليكمل صلاته مرة أخرى، مما أثار حفيظة هذا الشيخ فقام وخطب في الناس بعد الصلاة. لكن المدهش في الموضوع أن من قام بهذا الأمر لم يكن إمام المسجد، بل كان واحداً من المصلين؟! فكيف سمح إمام المسجد لأحد من المصلين أن يلقي على الناس موعظة أو درساً من الدروس؟! أليست الإمامة أمانة يجب أن تُصان ولا يُسمح لغير أهل الاختصاص بإلقاء ما يريدون دون إذن من الوزارة؟ حقيقة أشفقت على هذا الطفل الصغير، فالمؤكّد أن جميع مَن في المسجد قد عرفه وذاع خبره بين أبناء الحي. وفكرت في الأب الجالس بين المصلين، وهو يتعرض للوم علانية على تصرف ابنه، إنها لحظات صعبة عاشها الأب والابن معاً. الجميع كان يتلفت ويبحث عن أب هذا الطفل المسكين، ما الأثر النفسي الذي سيحدثه هذا التوجيه أو بعبارة أصح التوبيخ؟! إن من قام بالنصح أخذته الحماسة ليجعل التوبيخ في النصح مدخلاً للحديث عن التربية ودور الآباء في تربية أبنائهم. فلو قام هذا الرجل، وأخذ الطفل جانباً بعد انتهاء الصلاة وأكبر فيه حضوره لصلاة الجماعة ونصحه بأسلوب رقيق وليِّن، أو قام بلفت نظر الأب جانباً إلى سلوك ابنه في الصلاة فماذا ستكون النتيجة؟ أعتقد أنها الاستجابة دون تردد. قال ابن معين: (ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته، وأحببت أن أزيّن أمره، وما استقبل رجلاً في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبيّن له خطأه فيما بيني وبينه فإن قَبِلَ ذلك، وإلا تركته). فالنصيحة سراً ادعى للقبول، لأن النفس البشرية لا تقبل أن يطلع على عيوبها. ألم يكن من الحكمة أن ينقل ما رآه من ملاحظات لإمام المسجد ليلقي في الناس كلمة دون تخصيص، وقدوتنا في ذلك نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان من أدبه صلى الله عليه وسلم في إنكار المنكر إذا بلغه عن جماعة ما ينكر فعله لم يذكر أسماءهم علناً وإنما يقول: (ما بال أقوام يفعلون كذا..). إن الأسلوب القائم على التعميم دون تخصيص شخص بعينه، يعطي الإنسان الفرصة في التأمل بحاله إن كان على صواب فيثبت عليه وإن كان على خطأ فيحاول أن يتحول عنه. فالواجب أن يتحلَّى الداعية بالعلم والحكمة في دعوته، وأن يجعل الرفق واللين صفة ملازمة لدعوته، لتؤتي ثمارها المرجوة قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} «125» سورة النحل. وفي الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم من ولي من أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، اللهم من ولي من أمتي شيئاً فشقَّ عليهم، فاشقق عليه). وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالرفق فإنه لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه). وقد أورد بعض أهل العلم كصاحب العقد الفريد، وصاحب عيون الأخبار قال: دخل أحد الناس على هارون الرشيد: فقال: يا هارون الرشيد، ائذن لي أن أقول لك كلاماً؟ فقال: قل. فرفع صوته وأغضبه، وقال: إنك ظلمت وجرت، وفعلت وفعلت، فغضب هارون الرشيد حتى احمرَّ وجهه، ثم قال: يا هذا أرسل الله من هو خير منك إلى من هو أشر مني، (يقصد بذلك نصح النبي موسى لفرعون) فقال: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} «44» سورة طه. أما أنت فلا أقبل نصيحتك وأقبلها من غيرك فعلى الداعية أن يصبر، كما صبر حبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا يتعجّل النتائج. وأن يبتعد عن الشدة والغلظة التي تنفّر من الاستجابة لقبول الحق، وتجعل صاحب المنكر يصر على منكره، مع أنه يعلم بخطأ مسلكه قال الله تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
|
|
|
| |
|