| |
الحج والعمرة إلى بيت الله الحرام علي بن عبد العزيز بن علي الشبل/ المدرس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام
|
|
الله عز وجل حكيم، والحكمة صفته، وأفعاله وأوامره ونواهيه في غاية الحكمة فهو سبحانه (العليم الحكيم) وهو (العزيز الحكيم) وهو (الحكيم الخبير). ومن حكمته سبحانه في فرائضه وأعظمها أركان الإسلام الخمسة، فهي في توحيد الله وإفراده بالعبادة قولاً واعتقاداً وفعلاً. ومن ذلك الحج والعمرة إلى بيته الحرام فهو إعلام بتوحيده، وإظهارٌ لشعائر وحدانيته، ولا سيما وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن في شعائر الحج التوحيد خصوصاً في المواضع التي أقام فيها المشركون مظاهر شركهم، كان يحرص صلى الله عليه وسلم فيها وعليها بإعلان التوحيد، وإفراد الله عز وجل بالعبادة وحده لا شريك له قولاً وفعلاً، دعوة وبلاغاً وجهاداً. ففي السنة التاسعة من الهجرة فُرض الحج إلى بيت الله الحرام على المسلمين في قوله عز وجل من سورة آل عمران {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}. وفي سوة الحج يقول عز وجل: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَج عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}. فهذه الآيات كلها إعلان بالتوحيد وتقرير له في الإحرام وذكر الله والتلبية والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة ومزدلفة والمبيت بمنى والرمي والحلق والذبح أو التحرر والدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح، كل ذلك إعلان بالتوحيد، وفي سياق آيات الحج يقول سبحانه: {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}. ولما فرض الحج في العام التاسع لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة حتى لا تظهر أعلام الشرك والوثنية بحج المشركين وتلبياتهم الشركية في قولهم (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك...) فأرسل صلى الله عليه وسلم صاحبه وحبه أبا بكر الصديق رضي الله عنه ثم أتبعه بعلي رضي الله عنه يعلنان في مشاهد الحج ومواقف الموسم إعلان التوحيد بتطهر الحرم من غير الموحدين، فناديا في الناس نداء النبي صلى الله عليه وسلم، (ألا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان). فكان ذلك حيث حج عليه الصلاة والسلام من عام قابل في السنة العاشرة حجة الوداع معلناً التوحيد ومحققاً دعوته وحقيقته، ولم يحج البيت مشرك، بل وأكد الدعوة إلى تحقيق العبادة، بإعلان التوحيد في المشاهد والمشاعر التي أعلن فيها المشركون من قبل شركهم ووثنيتهم. ومظهر آخر مهم في إعلانه صلى الله عليم وسلم مظاهر التوحيد في إحرامه من الميقات وإهلاله بالنسك، من الوادي المبارك، وادي العقيق حيث صح في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الذي خرجه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علا البيداء أهل بالتوحيد، وهو قوله: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك). هذه التلبية التي هي في الحج كالشهادتين في الإسلام، فكما أن الاسلام لا يتحقق إلا بالشهادتين المتضمنتين تحقيق التوحيد لله وحده لا شريك له، كذلك الحج الذي هو خاتمة الأركان الخمسة في الإسلام مبدؤه وإدامته بالتوحيد وما تلكم التلبية إلا إعلان بهذه الدعوة إلى تصحيح العقيدة وبناء أساس الدين على قاعدة توحيد الله بأفعال عباده، وذلك بإفراده سبحانه بعبادة الحج وبجميع أنواع العبادة. والواجب على المسلمين أن يعقلوا هذا الأمر ويهتموا بهذه القضية اهتماماً عظيماً ليكونوا على هديه صلى الله عليه وسلم القائل (خذوا عني مناسككم) وذا أهم شعائر مناسكه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}، وقال عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
|
|
|
| |
|