| |
سنستقبلك بمنظومتك القيمية الإنسانية.. يا أبا متعب د. سالم بن بشير الضبيعان الشراري*
|
|
لم يكد الصقيع يلامس الأطراف الشمالية لهذا الوطن حتى سرى في دواخل تلك الأطراف دفء أعاد حسابات أهلها حول ماهية الأزمنة، واستجابات الأمكنة! لقد كان الشتاء في الشمال هذا العام، موعوداً بحضور ملكي هام! حضور مواجهة بالحب والدفء، منذ بشَّر خادم الحرمين الشريفين أبناءه الشماليين - قبل أشهر - بأنه سيزورهم في شتاء هذا العام! منذ تلك البشرى، وذلك التزمين، وللمواسم لغة ملكية أحالت بياتها حركة، وشتاءها دفئاً. منذ تلك البشرى وذلك التزمين وللأماكن بوح احتفائي واحتفالي دافئ! فشتاء الشمال بعامة - والقريات وطبرجل ودومة الجندل وسكاكا ومراكز منطقة الجوف وقراها بخاصة - أتى هذا العام استثنائياً! أجزم أن رأي الشماليين ورؤيتهم للتلفاز السعودي، وأخبار مجلس الوزراء، ومشاريع البناء والعطاء الكبيرة، لم تكن أكثر حميمية وارتباطاً ودفئاً منها في هذا الشتاء الملكي! وأجزم أن صورة ملك الإنسانية في الوجدان الشمالي لم تعد مكرمة ملكية كريمة، أو توجيهاً سامياً مباركاً فحسب، لكنها تجسَّدت حلماً رائعاً، يتابعون تشكُّله ليصبح - بينهم - واقعاً! يعني.. سنستقبل خادم الحرمين الشريفين بمطار المنطقة؟ أجل! سنستقبله! يعني... سنرى ملك الإنسانية هكذا وجهاً لوجه وليس صورة؟ أجل! سنراه! يعني.. سنتمكَّن من مصافحته بأيدينا؟ ربما.. لكن المؤكد أننا سنصافحه بعيوننا ووجدانا وهو يمخر عباب الحب الشمالي، والأرض تصافح خطوات عطائه وبنائه المعهودين! تلك الأسئلة المضخَّمة بالدهشة.. هي ملامح من مطامع ومطامح لم تزل تتداعى وتتجلّى صدى لزيارة خادم الحرمين الشريفين لمنطقة الجوف، فصاغت لغة مختلفة لسمر الشتاء الشمالي! ولكن.. كيف يمكن أن يصل لخادم الحرمين الشريفين وقيادتنا السعودية المباركة كل هذا الوفاء والانتماء اللذين غمرا كل قلب، وعمرا كل بيت؟ كيف تصل تلك الرسالة بحجم يليق بهامة الوطن، وقامة قيادته؟ ويليق أيضاً بوفائنا وانتمائنا نحن الشماليين؟ إننا نريد وفاء وانتماء يواجه بجدّية بل و(بجدّية) كل فكر ضال يتربصنا في مكتسبنا الاقتصادي، واستقرارنا الأمني وقد منَّ الله علينا - في كل أرجاء هذا الوطن - بهاتين النعمتين العظيمتين، إذ أطعمنا من جوع وآمننا من خوف. إنني أتساءل بفرح واستشعار لحجم المناسبة.. هل نستقبل ملك الإنسانية بما نحب - نحن - من إعلان لمظاهر الحب والفرح شعراً ونثراً وعرضة سعودية و(سامري) لحاضرته، و(دحة) لباديته؟! أم نلقاه بما يحب هو، ونحب نحن؟ ألا يمكن أن نضيف إلى ما نحب نحن من مظاهر تعبير، ما يحب هو ونحب نحن من مضامين تقدير؟! ألا يُمكن أن يسجل الأهالي - في القريات وطبرجل ودومة الجندل وسكاكا وما بينهما وما حولهما من مراكز وقرى - سبقاً في أن يستقبلوا ولي أمرهم بأخلاقه وملامحه وكامل منظومته القيمية الإنسانية؟ إن من أبرز أخلاق وملامح الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - إنسانية الملك في أفعاله وأقواله. ألم يمنح ملك الإنسانية أكثر من فرصة للمتورطين بالفكر الضال، ليعودوا - آمنين - إلى واحة الوسطية والاعتدال؟ ألم يجر على لسانه وبيده أكثر من عفو ملكي لضالين ومخطئين من أبناء هذا الوطن؟ ألم يعف خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - ويصفح عن متآمرين - من خارج هذا الوطن - أرادوا بحياته سوءاً فخذلهم الله مرتين، الأولى بأن فضح وأحبط مكرهم، والثانية بأن أعلاه وأعلى به قيم المروءة وقوة العفو؟ ألم يقر في يقين كل من يسمع أو يشاهد كلمات خادم الحرمين الشريفين ومواقفه - لرفاء الإنسان وإعمار الأوطان - إنه والد قبل أن يكون قائداً؟ لقد آن لنا أن نقابله بذات وفائه ونقائه؟ فنلقاه بما نحب ويحب؟ فليس كثيراً أن ننتظر من المواطن الخيّر- قبلان المدينة الشراري، أن يستقبل خادم الحرمين الشريفين بالعفو والصفح عن - بدهان الشمري! حتى وإن قيل إنه مكلوم بتفاصيل أحداث قتل ابنه أمامه أشد من القتل ذاته، فبذلك تتجسَّد قيمتا العفو والصفح و(قبلان) أهل لهما! وليس غريباً من أصحاب الدم في أسرة (المدينة) الكريمة بمسنيها وتجارها ومهندسيها أن نسمع منهم - عند ربط زيارة الخير بالعفو والخير - إجماعهم على القول: (إن كل أولادنا هدية لأبي متعب عند الواجب)!! وليس كبيراً أن نشهد - من أجل ذلك قبل أسابيع - اجتماعاً لشيخ شمل القبيلة - حسين بن عاشق اللحاوي، أمير اللواء الواحد والأربعون ومعه الشيخ (ابن دعيجاء) والشيخ (الخيال) وعدد من أعيان ووجهاء ومشايخ قبيلة الشرارات ليتنادوا - من خلال قيمة العفو - إلى مسعى خير يُستقبل به المليك، وتُعتق به رقبة، ويُحقق من خلاله منهج التآلف والمحبة لقبيلة كريمة وعزيزة مجاورة. لقد سجلت محافظة القريات - قبلاً - موقفين خيّرين متتاليين تمثَّلا في عفو كريم من الأخ الكريم - فهد السهر عن قاتل ابنه، وعفو الوالد الكريم - عيوش الشراري عن قاتل ابنه أيضاً لوجه الله ثم استجابة لمساعي أهل الخير.. وهما موقفان هزّا المشاعر، وأشاعا الفرح، وعززا قيمتي الصفح والعفو! فلقيا من الأهالي كل دعاء واستبشار وتقدير! ولقيا من صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز، أمير منطقة الجوف كل تحفيز وتعزيز قبل العفو، وكل مباركة وتقدير بعده، شأن سموه في كل منشط خير لتلك المنطقة. فليس بدعاً - إذن - أن تشرئب أعناقنا بأمل وثقة لكل صاحب حق ومظلمة في أي بيت أو موقع في تلك المنطقة في أن يستقبل ولي الأمر بما يحب ونحب! إننا ندرك أن من أحب الأمور لخادم الحرمين الشريفين، ومن أولى أولويات عمل صاحب السمو الملكي أمير منطقة الجوف أن تتعمَّق ثقافة الائتلاف بدلاً من الاختلاف، وأن ينشغل الجميع لبعضهم وليس ببعضهم، وأن يقدّم العام على الخاص! ولذلك فإن تناول قضايا العفو في الدم - هنا - مدعاة للعفو والصفح عما هو دون ذلك من اختلافات ومشاحنات لا تبني أمة، ولا تسمو بهمة! وما دام ذلك يقيننا وتلك مسلّماتنا، فإنه قمين بمنطقتنا وحري بأهلها أن نتميز باستقبال يعكس منظومة قيمنا الاجتماعية، ويُعمِّق قيم منظمتنا الرسمية. فننافس - بالحب - مواطنينا في مناطق المملكة الأخرى، بأن نهدي لخادم الحرمين الشريفين - بمناسبة زيارته - بعض أخلاقه التي قابل بها الآخرين! ولتحقيق ذلك فإننا نتطلع لدور تعاضدي لأعيان ووجهاء ومشايخ منطقة الجوف حاضرة وبادية - ونأمل بجهد خيّر مؤثر, يتسق مع حلم سمو أمير منطقتنا لنا وبنا، وليتحقق استقبال ولقاء من نحب بما يحب وبما نحب! فنعمل على المستوى الإنساني لنتائج خيّرة لتلك الزيارة المباركة تستكمل وحدة الوطن بمزيد من وحدة القلوب وفرحها، ونقابل قيم العفو والصفح - لدى زائرنا الكبير - بخطوات إجرائية ملموسة في إصلاح ذات البين.. ونجتهد - على المستوى التطويري للمنطقة - في أن يكون محك المواقع والمواقف معيارية الأداء والانتماء للهمّ الوطني العام، وليس الهمّ الفردي أو الإقليمي أو العائلي الخاص؟! فتتسع بالخيّرين دوائر ومساحات الحق والخير زماناً ومكاناً.. ولا أشك لحظة في أنهم أهل لكل تناد خير! ونحن - في ذلك كله - نستشعر ونستحضر أن الملك المؤسس - رحمه الله - نسج كياننا السياسي والاجتماعي من تلك القيم الخيّرة، فصيّر الله على يديه التقاتل تكتلاً، والتنافر تعارفاً! حتى دان له المختلف مؤتلفاً! وهو ذاته المنهج الخيّر الذي لم يزل يستكمل بناءه ملوك وقادة هذه البلاد، من أبناء وأحفاد. حفظ الله لوطننا أمنه وقيادته.
* الرياض - وزارة التربية والتعليم
sah054@hotmail.com |
|
|
| |
|