| |
أما بعد اطلبوا الصناعة في الصين2 - 2 عبد الله بن عبد العزيز المعيلي
|
|
وضعت الصين لنفسها إستراتيجية وهدفاً، وسعت بإصرار وعزيمة لتحقيق ما تصبو إليه وكان لها ما أرادت، فكيف نالت هذا السبق والنجاح؟ لقد حققت الصين تقدماً صناعياً لأنها صاغت خطة واضحة المعالم، وإستراتيجيات محدَّدة الأهداف، وصاغت في الوقت نفسه آليات عمل لتحقيق الخطة وأهدافها، ومراحلها الزمنية، آخذة في الاعتبار كل مقومات النجاح وأسبابه المعينة، مستمدة قوتها من داخل كيانها، مستوعبة المتغيِّرات العالمية وتقلباتها، لذا ها هي تسير بخطى واثقة متحدية كل القوى، لم تتردد ولم تتراجع، إنها تصعد درجات سلم التفوق بإصرار. لقد استثمرت الصين في الإنسان، وذلك بتأهيله وتدريبه وفق منظور واضح شامل لكل الفرص الاستثمارية التي تمكِّن الصين من المنافسة والسيطرة على السوق العالمي، وكان لها ما تطلعت إليه، لأنها حدَّدت خطة ذات رؤية شاملة واسعة طموحة, ومن ثم أعدت الإنسان الذي يدير هذه الخطة ويشغلها، فأضحى الإنسان مصدر قوتها وتقدّمها، ونالت السيطرة التي تطمح إليها، فإذا برجال الأعمال والتجار والمستثمرين يتوافدون على الصين من كل بلاد الدنيا يتزوَّدون بمنتجاتها لتسويقها وبيعها في بلادهم. أما نحن هنا فتغلبت عاطفة السعودة على بناء الرؤية، ونظر إلى السعودي الذي لا يعمل على أنه عبء ثقيل يجب التخلص منه، فكان التخبط واضحاً في التعامل مع هذه الثروة الثمينة التي تفوق في قيمتها البترول ومشتقاته، البترول سينفد يوماً ما، أما ثروة الرجال المهرة والعقول المبدعة فإنها تبقى منتجة أبد الدهر متى ما تم تعاهدها بالتأهيل والتدريب. لقد تجلَّى عدم تثمين الكفايات السعودية التي لا تعمل حالياً في تلك الدعوة الغريبة التي تم توجيهها من قِبل وزارة العمل لرجال الأعمال من تجار وصنَّاع وتربويين مؤداها (أن هناك ثلاثمائة ألف سعودي لا يعمل، الجادون منهم مائة وخمسون ألفاً، أبحثوا لهم عن فرص عمل). وكانت الإجابة أن عدد هؤلاء أقل من عدد المؤسسات والشركات العاملة في المملكة، وبإمكان وزارة العمل توزيعهم بمعدل واحد لكل مؤسسة. هذه الدعوة تذكِّرنا بباعة (الجح) عندما يكثر وتتوفر منه كميات كبيرة في السوق، حيث يتم بيعه بالكوم للتخلص منه وتصريفه دون عناء ومكابدة. فيا وزارة العمل، ما هكذا تورد الإبل، إن هؤلاء الشباب ثروة، وهذا الإجراء لن يحقق لهم ولا لأصحاب العمل طموحاً ولا فائدة، وبدلاً عن هذا كان بإمكانكم تحديد الفرص الاستثمارية المنافسة في المملكة - وهي كثيرة يأتي في مقدمتها صناعات البترول التحويلية - ووضع خطة وطنية طموحة، وإستراتيجيات بعيدة الأمد، يعاد تأهيل هؤلاء الشباب ويدربون في ضوئها كل حسب ميوله واهتمامه، بعد ذلك يمكّنون من العمل فإذا بهم أيدٍ منتجة نافعة مثمرة، تحقق الازدهار لذاتها ولوطنها، بدلاً من (التحريج) عليهم بهذه الصورة المهينة.
ab.moa@hotmail.com |
|
|
| |
|