وتهفو أفئدتهم للبيت العتيق
د. حمد بن عبد الله المانع(*)

الحمد لله الذي شرف هذه البلاد بأن اختارها مهبط الوحي لخاتم الرسالات السماوية وقبلة أنظار المسلمين في كافة أرجاء المعمورة يتوجهون إليها في صلواتهم من كل حدب وصوب ... وتهفو أفئدتهم للبيت العتيق لأداء الركن الخامس من الإسلام تلبية لنداء أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام الذي أوعز له به سبحانه في كتابه العزيز {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}، ليتشكل كل عام أكبر تجمع للمسلمين في العالم ضمن رقعة مباركة واحدة وفي زمن محدود نسبياً.
كما نحمده سبحانه على أن مكن للحكومات الرشيدة لهذه البلاد منذ عهد المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - وحتى يومنا هذا بذل أقصى الجهود وتقديم كل الإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن ليؤدوا حجهم بيسر وسهولة.
وفي هذا الصدد، وتنفيذاً لمنهجية موضوعية تتبناها وزارة الصحة كل عام في تقديم خدماتها الوقائية والإسعافية والعلاجية، يتم توفير كل الوسائل والتجهيزات على اختلاف أنواعها ومسمياتها لتقديم أفضل الخدمات الصحية بجميع مرافق الوزارة العديدة والمهيأة لخدمة ضيوف الرحمن في كافة المشاعر المقدسة أو الطرق المؤدية لها.
وفي كل عام، تبدأ استعدادات الوزارة لخدمة الحجيج منذ اليوم الأول لنهاية موسم الحج المنصرم؛ وذلك من خلال إعداد الخطط المقننة والمدروسة لمراقبة ورصد الأمراض والأوبئة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي سعياً لوضع أفضل الطرق وأنجع الوسائل لمكافحتها والسيطرة عليها.
وفي هذا العام، أكملت وزارة الصحة، بتوفيق من الله سبحانه، وثم بدعم منقطع النظير من حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - يحفظهما الله - كافة استعداداتها لتقديم أفضل الخدمات الصحية لحجاج بيت الله الحرام ؛ فقد تم تجهيز (21) مستشفى تتسع ل (3932) سريراً وتضم (319) سريراً للعناية المركزة بالإضافة إلى (145) مركزاً للرعاية الصحية الأولية موزعة على كافة مناطق الحج ، كما قامت الوزارة بتأمين (8000) وحدة من الدم ومشتقاته من جميع الفصائل ، كما جندت لهذه الغاية النبيلة أكثر من عشرة آلاف موظف وموظفة من أطباء وفنيين وطواقم تمريضية وإدارية متخصصة لخدمة ضيوف الرحمن وتوفير الخدمات الوقائية والعلاجية بمختلف مناطق الحج والسبل المؤدية إليها ، إلى جانب (500) طالب من كافة التخصصات الصحية يشاركون من المعاهد والكليات الصحية التابعة للوزارة ، كما تم توفير (115) سيارة إسعاف صغيرة وكبيرة للتعامل مع حالات الطوارئ بمناطق الحج المختلفة.
وقد أعدت الوزارة، أيضاً، خطة وقائية شاملة تكثف من خلالها حملات التوعية الصحية وفق برامج وخطط مقننة بدأت منذ نهاية موسم حج العام الماضي مباشرة استعداداً لموسم حج هذا العام؛ وقد تضمنت المرحلة الأولى من الخطة المراقبة الوبائية ورصد الأمراض على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، وذلك من خلال التعاون الوثيق بين الوزارة ومنظمة الصحة العالمية والهيئات الدولية الأخرى ذات العلاقة بالغذاء والدواء والأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان ذات المساس بصحة الحجيج . وحفاظاً على صحة ضيوف الرحمن داخل الأراضي المقدسة خلال موسم الحج هيأت الوزارة (14) منفذاً جوياً وبحرياً وبرياً للتأكد من تطبيق الاشتراطات الصحية الواجب توفرها لدى الحجاج حيث تم تزويدها بكافة الأجهزة الطبية والفنية بالإضافة إلى الكوادر البشرية المؤهلة في هذا المجال.
ويقوم على تنفيذ هذه الخطط طواقم طبية وفنية وإدارية متخصصة بتقديم أفضل الخدمات الصحية لضيوف الرحمن، خلال فترة العمل القصيرة بالمرافق الصحية المنتشرة في كافة المشاعر المقدسة مع الاستغلال الأمثل لعامل الوقت؛ وذلك عبر التركيز على الموازنة بين الاحتياجات المتزايدة من الخدمات الصحية التي تصاحب الازدياد المضطرد في أعداد الحجيج كل عام والهدف الاستراتيجي الثابت في الوصول إلى المستوى المنشود لتقديم الخدمات ورفع المستوى الصحي؛ للخروج بموسم حج ناجح خال من الأمراض.