Al Jazirah NewsPaper Friday  15/12/2006G Issue 12496مدارات شعبيةالجمعة 24 ذو القعدة 1427 هـ  15 ديسمبر2006 م   العدد  12496
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

أفاق اسلامية

أبناء الجزيرة

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

سين وجيم

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

قراءة في بكائية على أطلال القنص للشاعر عبدالله بن عون

الشاعر عبدالله بن عون غني عن أي تقديم، شاعر كتب في كل الأغراض، لكن شعره ارتبط كثيراً بالوصف، وبخاصة وصف الطير ورحلات القنص بصفته أحد أشهر صقاري الخليج، وكان أغلب وصفه للطير وصفاً حسياً يتعلق بأوصاف الطير الخارجية مما تقتضيه ضروريات وصف الرحلة وفعل الطير في المقناص، والشواهد على ذلك كثيرة ليس هنا المجال لذكرها.

ولقد لفت نظري في النص المنشور في جريدة الجزيرة العدد 12476 في صفحة مدارات شعبية تحت عنوان: (قدام يطلع للصقارة زباين) تحول الشاعر من الوصف الخارجي للطير إلى الوصف الداخلي، ومن المحسوس إلى المعنوي، فما دلالات هذا الخطاب؟ وهل يخاطب الشاعر الطير فعلاً؟ أم أنه يخاطب نفسه؟ ويخاطب كل من ضاق بالحاضر عندما يسترجع الماضي.

ينقسم النص إلى أربعة أجزاء تمثل أزمنة تتمحور حولها مثله من المعاني:

أ - (1 - 11) خطاب الطير واسترجاع الماضي ومؤثثاته.

ب - (12 - 13) التعويض بصقاري الزمن الحاضر وذم بعض أخلاقياتهم في الصيد.

ج - (14 - 18) الشكوى المشتركة بين الشاعر وطيره من الزمن الحاضر وانقراض الصيد النبيل.

د - (19 - 22) السماح للطير بالرحيل وصعوبة ذلك عليهما معاً والانفتاح على المستقبل المجهول.

يتجه النص من السمو إلى الانحدار في الأمكنة والأزمنة (قدام - تاليه مهوب زاين)، كما يتجه من قوة العلاقة إلى فتورها على الرغم من وجود المحبة، ولكن تغير الأحوال انعكس على العلاقة بين الصقر والصقار، ولعل خطاب الشاعر للصقر يمثل تقريعاً لعالم الناس ولفئة منهم على وجه التحديد (الصقاقير الجدد)، ولعل في اتجاه الشاعر بالخطاب للطير احتجاجاً على عالم الإنسان وكأنه لم يجد من يقدر شعوره ويفهمه سوى صديقه الطير.

ركز الشاعر في القسم الأول على الاسترجاع وعرض الذكريات الجميلة الماضية، وتوجه فيه بالخطاب للطير، وجعله إنساناً عاقلاً يعي ويسمع ويحس ويشارك (خاطرك - عقبي) بفقد تجاوز الشاعر الإحساس بالناس إلى الإحساس بكل ما حوله، وتمثل ذلك في الطير والأطلال وملاحظة تغيرهما للأسوأ تبعاً لتغير الزمان والإنسان، إذ لاحظ الشاعر التغير في الطير من ناحيتين: تغير خارجي (في لمعة الريشة) وتغير داخلي (ناظر العين)، وهذا يدل على قوة العلاقة التي تربط بينهما، فالطير تغيرت نفسيته الداخلية وتأثر منظره الخارجي لفراقه الشاعر (يومين)، والشاعر أحس بهذا التغير في لون الطير وناظره، وقد أكد قوة تلك العلاقة وإن كانت على وشك الانفصال غير الإرادي (كنا خداين) إشارة إلى العلاقة الماضية الجميلة التي لم تكن من طرف واحد بل هي تبادلية بين الصقر والصقار وحباً من طرفين قائماً على الاحترام والتقدير، وقد ركز الشاعر على الذكريات مع الطير واسترجاع مؤثثات الماضي (الأمكنة - الأطلال) حين كان ذاك مسرحاً للنبلاء من الصقارين الذين يحترمون الصيد والصقر والطبيعة في وجود ثالوث المتعة (الصقر - الصقار - الحبارى) على أرض أنف (عذى) لم تطأها قدم إنسان لا يعرف أخلاقيات هذه الهواية، ولم تصل إليها المدنية التي شوهتها وافترعت بكارتها.

فهل يصح لنا أن نقول إن الشاعر في هذا المقطع إنما يخاطب نفسه ويستعيد الذكريات الجميلة مع ذاته.. اتخذ الطير قناعاً أو ذاتاً مشتقة من ذاته يعبر به عما يدور في خلده مع أن ما يقوله حق، حين يبين الشاعر تحسره على الماضي وتأثره النفسي وما كان يبعثه فيه من أسباب الصحة والنشاط، وإن هذا الاسترجاع هو بكاء على ماضٍ تولى كان كل ما فيه جميل من بدايته إلى نهايته (ننكف نشاط - سالمين الصخاين).

أما في المقطع الثاني الذي يتقابل معنويا وزمنياً مع المقطع الأول، فيعرض الشاعر فيه بالصقارين الجدد وينتقد بعض سلوكياتهم المرفوضة عند الصقار الحقيقي الذي يرتبط مباشرة بالطير، ولا يستخدم الأسلحة عند وجود ما يستحق أن يصاد بالطير، ويترفع عن صيد ما لا يقع في حكم المصيد (القوبعة)، فالشاعر وطيره يترفعان عن صيد مثل هذا النوع؛ لأنهم يتخذون الصيد متعة وليس لغايات أخرى (أم روحين - ما في نحاهم)، فهؤلاء صنف مضاد من الصيادين لا يحبذه الشاعر، ويرى أنهم سبب تدهور قيم الصيد وخراب البر.

ونلاحظ أن الشاعر لم يسترسل كثيراً في هذا المقطع مما يدل على ما ذهبنا إليه وهو أنه يريد الحديث مع نفسه عن نفسه.

مغير أدوج تقول مضيع حاجه
واخذ وسند على روحي وهرجها

أما في المقطع الثالث، فيعود الشاعر مرة أخرى إلى القضية المحورية (الطير - النفس) محدداً هويته وهوية طيره (سعودي - الصين) وبذا نقف على السمة اللولبية للنص في مستوييه الزمني والمعنوي من حيث استرجاع الماضي والعودة لخطاب الطير، إذ يهيئ الطير للوداع لاختلاف الموطن وانقراض وتغير كل جميل كان يجمعهما، وليس تنكراً من الشاعر أو الطير لعلاقة كل منهما بالآخر، وإما هو تقدير متبادل وتفضيل كل منهما صديقه على نفسه لدرجة السماح له بالرحيل حفاظاً على كرامته ونفسيته من الغبن والمهانة، وهذا أبرز ما يميز النبلاء من الناس، فالوداع لم يكن في إرادة الشاعر أو الصقر، ولكن الزمن وتغير الأحوال هما السبب الحقيقي (البر في حادور... الوقت ما تاليه معنا يزاين)، وهذا الواقع هو السبب الحقيقي لضيق أهل الولع وطيورهم.

في المقطع الأخير، وبعد محاولة التبرير لهذا الوداع الاضطراري، يعطي الشاعر طيره الحرية في الرحيل عن هذه البيئة التي لم تعد تصلح لهما ولم تعد تملك من الخصوصية ما يجعلها تميز من يحبها ويحس بها عن غيره ويطلب من طيره الهجرة إلى مكان آخر أفضل على الرغم من صعوبة الفراق، لكن العزيز لا يهين العزيز.. ولهذا سمح الشاعر للطير بالرحيل عندما تغير الوضع وازداد سوءاً، فالهجرة هي الحل ابتعاداً عن الغبن والحسرة، وكان الشاعر يريد لو كان طيراً ويترك هذه البيئة ويحل في بيئة أخرى بعيدة بعد الصين ومرتفعة ارتفاع قزوين.

ينغلق النص بلفظة المساجين، فالشاعر يرى الأرض المحيطة به وبطيره سجن كبير يرغبان في الخروج منه إلى أرض يشعران فيها بالحرية.

يدور النص كله حول الصقار والصقر والصقارة، لكن الشاعر تكلم بلسان الجميع، وهذا ما يجعلني أرجح أن الشاعر يتحدث في هذا النص عن نفسه وعلاقته مع تلك الأشياء مجتمعة.

هذه إضاءة على نص عميق قابل للقراءة على أكثر من مستوى وهذه هي سمة النصوص الإبداعية الغنية التي كلما تعمقت فيها لاحظت أنها تتحداك بتعدد قراءاتها.

سالم الرويس -مملكة البحرين


rouis22@hotmail.com


نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved