| |
حولها ندندن الطاقة المهدرة د. جواهر بنت عبد العزيز آل الشيخ (*)
|
|
أثناء عودتنا من رحلة داخلية، نزلنا مطار الرياض العامر البهيج الذي كدّر روعة منظره وجودة عمرانه وجود شباب في بداية عنفوانهم، ولكن أعينهم يبدو عليها الحزن ويغلفها الانكسار.. يقفون جماعات في موقع المستقبلين يستجْدون بنظراتهم البائسة وتوسلاتهم الصامتة المسافرين العائدين لكي يركبوا معهم ليوصلوهم إلى مقارّهم مقابل أجرة ضئيلة لعلها تكون دخلاً ثابتاً حتى لو كانت يسيرة. فأشرت إلى زوجي راجية أن يوافق على أن يوصلنا أحد هؤلاء الشباب المحتاجين الذين أثاروا شفقتي بانتظارهم الطويل رغبة في الرزق الحلال، مبرّرة له ذلك بأنهم أولى من سائقي الأجرة الأجانب، ثم حينما كلم أحدهم بهذا الخصوص وافق بكل سهولة مقابل نصف مبلغ السائق الأجنبي الذي أوصلنا إلى المطار في رحلة الذهاب، وفي الطريق حكى لنا الشاب معاناته التي أسهمت في ذلك التنازل، حيث سعْر مواقف المطار الذي تمكث فيه سيارته الساعات الطوال دون أن يركب معه أحد لكي يوصله، وأقساط السيارة التي لم تسدّد، ووالدته القلقة عليه التي تريد أن يعود ليرتاح، وصلاة الجمعة التي يرغب أن يكسبها على أيسر الأحوال. وبينما نحن سائرون في طريق العودة إلى المنزل، رأينا مجموعات أخرى من الشباب يبيعون بضاعاتهم من التمر والفاكهة والخضراوات على أحد الأرصفة، فإذا بهذه النعم تتناثر فجأة ويتراكض البائعون هاربين فزعين، وقد تركوا بضائعهم جميعها، وكأنما قُُرعت صافرة الإنذار معلنة الحرب، ولما التفتنا خلفنا عرفنا السرّ، فإذا هي سيارات البلدية تلاحق البائعين المتجولين وتحمل معها تلك البضاعات وتقتاد معها أحد المجرمين! عفواً أعني أحد أولئك الشباب البائعين، فهو يصيح معترضاً بألم: ماذا أفعل؟ إذن هل أسرق وأعصي الله؟ ومن أين آتي بقيمة محل تجاري وأنا ما زلت في بداية حياتي؟! وتساءلنا بحسرة: حقاً ماذا يفعل أمثال هؤلاء الشباب البائسين؟ وقد أغلقت في وجوههم أبواب الوظائف الحكومية إلاّ ما قلّ وبشروط مشدّدة وبعد طول انتظار!! وتذكرت شقيق إحدى صديقاتي الذي مكث شهراً في المنزل لا يستطيع الخروج حتى للصلاة في المسجد القريب، بسبب تعرضه للضرب بالعصي حتى انكسرت إحدى ساقيه، وذلك من قبل شباب سرقوا هاتفه المحمول بالحيلة، وحينما قاوم ظهر له المعاونون الأشدّاء، والقضية موثّقة لدى الشرطة، بل إنّ سرقة الجوالات وكذا الحقائب النسائية بل والسيارات، أصبحت ظاهرة في شوارع مدن البلاد، وكل الذين يقومون بها هم عصابات شبابية وطنية للأسف الشديد. فلماذا لم نسمع ولم نرَ إلى الآن أيّ خطوات إيجابية عملية من قبل الجميع: الأُسَرة، والمدرسة، ووزارة العمل، ورئاسة الشباب، وديوان الخدمة المدنية، والشؤون الاجتماعية، والأمن العام، فالقضية جدّ خطيرة تحتاج للدراسة العاجلة والحلول المبادِرة، وإلاّ فإن وضع شبابنا مثل بركان على وشك الانفجار الأكبر الذي قد يتبع مثل هذه التفجّرات الصغرى، وحتى انصراف بعض الشباب للتجمعات الإرهابية يعد إحدى الظواهر الخطرة الناتجة عن إهمال تلك الطاقات القوية المهدرة دون أن نحسب حسابها، لأن شباب بلادنا فيهم فطرة الخير وبذرة الصلاح التي تحتاج لتنميتها ومراعاتها من قبل الأهل والمربين والمجتمع والحكومة قبل أن تتفلّتْ من أيدينا. سمعتُ أن إحدى أمهات الشباب المغرّر بهم في التفجيرات الأخيرة تقول بحسرة ودهشة: إنها مصدومة، إذْ كيف فعل ابنها المراهق صاحب المشاعر المرهفة مثل هذا العمل الجنوني، وهو الذي يهرب من المنزل نهائياً إذا بدأ والده في ذبح الأضاحي؟! لو استرسلتُ في الكلام عن موضوع شبابنا ومعاناتهم المتنوعة المتعددة، فلن أتوقف سواء في مجال التعليم أو العمل، وهؤلاء يمثلون حسب الإحصاءات نحو 60% من المجتمع، وهم موجودون في كل بيت من بيوت هذا الوطن الغالي، فمتى إذن تحين ساعة الإنقاذ؟!
(*) الأستاذ المشارك بكلية التربية للبنات بالرياض
|
|
|
| |
|