| |
حج الأحباب عبيد بن عساف الطوياوي (*)
|
|
في العام الماضي تجمع عدد من الحجاج استعداداً لركوب وسائل النقل التي تقلهم إلى مكة المكرمة، وعندما ركبوا؛ نادى منادٍ فيهم بأعلى صوته: انزلوا معشر الأحباب! فهمَّ الحجاج بالنزول لأنهم كلهم إخوة متحابون جمعت الأخوة الإيمانية بينهم، فهم يعبدون رباً واحداً ويتبعون نبياً واحداً ويعملون بكتاب واحد ونفروا لأداء أحد أركان إسلامهم، ولهذا همُّوا بالنزول ولكن أحدهم - وهو مطلع على بعض الأمور - تدارك الوضع وصاح بهم: اجلسوا أنتم لستم أحباباً بمفهوم المنادي إنما المقصود بالأحباب غيركم، فجلسوا ولم يلبثوا إلا ثواني وإذا بالأحباب ينزلون واحداً تلو الآخر حتى تجمعوا في وسيلة نقل واحدة ثم انطلقوا، وعندما وصلوا إلى مكة واستقروا في منى، تنادى الأحباب كعادتهم: معشر الأحباب! اجتمعوا ولا تفرقوا. فاجتمع حجاج الحملة كلهم، لأن الله عز وجل أمرهم بالاجتماع وحذرهم من الافتراق فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} ولكن صاحبهم صاح بهم مرة أخرى: السكينة السكينة؛ إنه اجتماع غير اجتماعكم. فاجتمع الأحباب في خيمة واحدة، وكان في الحملة بعض طلاب العلم، الذين يعبدون الله على بصيرة، ويدعون الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، ويحرصون على سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم القائل في مثل هذا الحج: (خذوا عني مناسككم) فعمروا المصلى بالصلاة والدروس والفتاوى المتعلقة بالحج، يبينون للحجاج ما يحتاجون إليه، ليؤدوا حجهم كما يجب عليهم، فيعودوا وقد غُفرت ذنوبهم، وفازوا بجنة ربهم، فبينوا لهم أنواع النسك وكيف الدخول بها، وصفة الإحرام ومحظوراته، وماذا يفعل الحاج يوم التروية ويوم عرفة، والأعمال التي يعملها يوم العيد، ومتى الرمي وما هي آدابه، وماذا يفعل العاجز عنه، ومن هو الذي يحق له أن يوكل غيره، وطواف الإفاضة وتأخيره مع الوداع ومتى السعي وهل تشترط له الطهارة. والأحباب منعزلون في خيمتهم، حتى في الصلاة التي تُؤدَى خلف كل بر وفاجر، لا يريدون أن يصلوا مع أحد ولا أحد يصلي معهم، منعزلون تماماً يتدارسون أصول جماعتهم، ويتذاكرون تعليمات قادتهم، همهم - كما يزعمون - الخروج في سبيل الله، وتسجيل أسماء المستعدين له ومددهم، يهنؤون مَنْ نذر عمره في سبيل جماعتهم، ونصرة مذهبهم، وإحياء بدعتهم، ويحذرون وينذرون من الخوض بالأمور الفقهية، ويعتبرون ذلك خروجاً عن طاعتهم، وخرقاً لأصولهم فالفقهيات من الممنوعات، بل عندهم من المحرمات التي لا يجوز الكلام عنها بينهم، ولا التطرق إلها في مجالسهم، حتى ولو كان الناس بحاجتها في مثل الحج. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ يرد به الله خيراً يفقهه في الدين) فيا ليت شعري كيف حج الأحباب؛ وقد حُرّم الفقه عليهم، وحرموا معرفة مناسكهم، ويا ليت شعري ماذا فعلت الحائض من النساء اللاتي معهم، هل طافت بالبيت وهي حائض أم ماذا فعلت؟ فليتقِ الله أبناء هذه البلاد الطاهرة، وليستمدوا دعوتهم من كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ومنهج سلفهم الصالح وما عليه علماؤنا الأفذاذ، فلا داعي لنشر دعوة صوفية، ولا الترويج لجماعة حزبية لأننا في غنى عن ذلك.
(*) حائل
|
|
|
| |
|