| |
في موقف تجلَّى فيه أسمى معاني المعروف بإعتاق رقبة من القصاص منسوبو هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة جازان: دورنا تجلى في رسالتنا
|
|
* تحقيق - محمد بن سليم اللحام (*): لا ريب أن الشقاق والخلاف من أخطر أسلحة الشيطان الفتاكة التي يوغر بها صدور الخلق، لينفصلوا بعد اتحاد، ويتنافروا بعد اتفاق، ويتعادوا بعد أُخوَّة، وقد اهتمَّ الإسلام بمسألة احتمال وقوع الخلاف بين المؤمنين وأخذها بعين الاعتبار؛ وذلك لأن المؤمنين بشر يخطئون ويصيبون، ويعسر أن تتفق آراؤهم أو تتوحَّد اتجاهاتهم دائماً، ولهذا عالج الإسلام مسألة الخلاف على اختلاف مستوياتها بدءاً من مرحلة المشاحنة والمجادلة، ومروراً بالهجر والتباعد، وانتهاءً بمرحلة الاعتداء والقتال، والإسلام دين يتشوّف إلى الصلح ويسعى له وينادي إليه، وليس ثمة خطوة أحب إلى الله - عز وجل - من خطوة يصلح فيها العبد بين اثنين ويقرب فيها بين قلبين، فبالإصلاح تكون الطمأنينة والهدوء والاستقرار والأمن وتتفجر ينابيع الألفة والمحبة. والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان لها دور فعال في إعتاق رقبة من ساحة القصاص في خطوة تعبر أيما تعبير عن الأمر بالمعروف الذي يمثل الشق الأول من الرسالة السامية لهذه الرئاسة التي يتكامل دورها بشطري اسمها (الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). وبهذه المناسبة كان هذا التحقيق.. موقف قصاص لم يكن يوم الأحد الموافق 21- 10-1427هـ يوماً عادياً كسائر الأيام في مدينة جازان، فقد استيقظ الأهالي لحضور مشهد كبير يتجلى فيه العدل والإنصاف.. فما إن أشرقت شمس ذلك اليوم إلا والجموع الغفيرة بدأت تتوافد إلى ساحة القصاص لمشاهدة تنفيذ حد من حدود الله تعالى، وهو حد القصاص. وحضر أولياء الدم يتقدمهم والد القتيل سلمان بن زاهر الفيفي وأم القتيل، وبعد لحظات جيء بالقاتل عندها لم يكن إلا القتل أو العفو، فهب أهل الخير إلى أولياء الدم يذكرونهم بفضل العفو وفضل عتق الرقبة، وأن لهم في ذلك أجراً عظيماً، وتحت إلحاح أهل الخير بمن فيهم منسوبو الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرع منطقة جازان مرت الدقائق تلو الدقائق ثقيلة كالجبال، فهناك رقبة ينتظرها السيف، وهناك قلوب هشمتها الحسرة، وما هي إلا لحظات حتى نطق أهل الدم.. نطقوا بالعفو في اللحظات الأخيرة. وفي ذلك الموقف الصعب، عندها رددت تلك الجموع الغفيرة تكرر: (الله أكبر) وتعالت أصوات الحاضرين بالدعاء لأسرة القتيل التي عفت عن الجاني محمد عبده عبدالله (يمني الجنسية) في ساحة تنفيذ الحكم، وكانت لحظات حاسمة ودقائق تفصل بينه وبين الموت بضرب عنقه بالسيف. عتق رقبة صاحب الفضيلة الشيخ إياس بن علي مديش البجوي القاضي بالمحكمة الجزئية بجازان علّق على هذا الموقف بقوله: الإصلاح عبادة جليلة، وخلق جميل يحبه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو خير كله، قال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}النساء الآية 128، وبالإصلاح تكون الأمة وحدة متماسكة، يعز فيها الضعف، ويندر فيها الخلل، ويقوى رباطها ويسعى بعضها في إصلاح بعض، كما أن بالإصلاح يصلح المجتمع وتأتلف القلوب، وتجتمع الكلمة، وينبذ الخلاف وتزرع المحبة والمودة، فالإصلاح عنوان الإيمان وتحقيق للأخوة الإسلامية، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة) رواه أبو داود، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن) (الصحيحة: 1448) وقوله صلى الله عليه وسلم: (كل سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم يعدل بين الناس صدقة) (رواه البخاري)، وقول أنس رضي الله عنه: (من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة)، كما ورد عن أبي هريرة: قال النبي: (ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) (مسلم). ناهيك عما ورد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار). وأضاف الشيخ البجوي بقوله: والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة، والمهم أن هذا عمل جليل وخلق عظيم يتصف به الخلص من عباد الله. بعد كتابة الوصية وفي هذه الأجواء المشحونة كان لا بد أن نقصد محور هذه القضية.. إنه الرجل المعفو عنه، وسألناه عن شعوره وإحساسه في تلك اللحظات الحاسمة؟ إذ قال الأخ محمد عبده عبدالله: الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، والحمد لله على نعمة الإسلام الذي جعل المؤمنين كالجسد الواحد يشد بعضه بعضاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً). فبعد أن كتبت وصيتي وحضرت إلى ساحة القصاص، وما هي إلا لحظات حتى أنزلت من السيارة إلى مكان تنفيذ حكم القصاص، وأنا راضٍ بما قدر الله مطمئن بذلك، عندها سمعت أصوات المتجمهرين، تلك الحشود العظيمة تردد: (الله أكبر)، لم أتمالك نفسي وبكيت من شدة الفرح والفرج بعد الشدة. وأضاف: ولما علمت أن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان لهم دور كبير في ذلك العفو دعوت لهم، وهذا أمر ليس بمستغرب عنهم، وأعمالهم في المجتمع جليلة، وأثرهم الإيجابي واضح، فأسأل الله لهم التوفيق والسداد. دورهم عظيم وهنا نتساءل: ما مشاعر ذوي المقتول حول دور رجال الهيئة في العفو؟ وحول هذه الإجابة اتجهنا إلى والد القتيل المواطن سلمان بن زاهر الفيفي الذي قال: لقد تنازلت وأسرتي عن قاتل ابني لوجه الله تعالى، وإنني أقدر لأبنائي رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حضورهم في ذلك الموقف الصعب وتذكيرهم لي بحسن العاقبة، كما لا أنسى كذلك حضور الشيخين عبدالله الفيفي وسالم الخامري إلى منزلي في جبل منجد، حيث تكبدوا عناء السفر ومشقة صعود الجبل في هذه السبيل، وكل هذا يدل على تسابقهم للخير وحرصهم عليه، والحقيقة إن دورهم في المجتمع عظيم، فهم سفينة النجاة لهذا المجتمع. كما توجه فضيلة الشيخ علي بن شيبان العامري رئيس المحكمة الجزئية بجازان بالثناء على رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمساهمتهم في إعتاق الرقبة، وقال: أقدر لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشكر لهم جهودهم الحثيثة في خدمة المجتمع، فهم - ولله الحمد - قائمون بأمر عظيم.. هو الحصن الحصين والدرع الواقي والسياج الحامي للأمة ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأضاف فضيلته: وهم مع قيامهم بهذا الأساس المتين نراهم ونلمس منهم الحضور في مثل هذه المحافل التي فيها دعوة لتكافل المجتمع وبه تكون الأمة وحدة متماسكة، وأحث أبنائي منسوبي الهيئة على الجد والاجتهاد على حث الناس وإرشادهم ونصحهم لما فيه الخير والصلاح، كما أحثهم على مواصلة السير في خدمة أمتهم ومجتمعهم. دور المعروف بعد ذلك اتجهنا إلى الشيخ عبدالله بن محمد الفيفي أحد منسوبي فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة جازان، حيث كان له دور بعد توفيق الله في إنجاز هذا العتق، وسألناه: ما منطلقاتك للمساهمة في هذا العتق، إذ علّق بقوله: إن دور رجال الهيئة دور كبير، فهو يشمل جوانب عدة منها الجانب الشرعي المتضمن حث الناس على الخير ونصحهم وإرشادهم لفضائل الأعمال على وجه الخصوص والجانب الإنساني المنبثق عن الجانب الشرعي، فهم دوماً في خدمة مجتمعهم. وأرى أن قيامنا بمثل هذا العمل هو جزء يحتمه علينا ديننا الحنيف بتعاليمه السمحة قبل أن يكون جانباً إنسانياً، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مشى في حاجة أخيه المسلم كتب الله له بكل خطوة يخطوها سبعين حسنة). بعد ذلك اتجهنا إلى الشيخ سالم بن حاج الخامري أحد منسوبي فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة جازان، حيث كان له دور بعد توفيق الله في إنجاز هذا العتق، وسألناه: ما منطلقاتك للمساهمة في هذا العتق؟ إذ علّق على ذلك بقوله: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، فهذه الأمة نالت هذه الخيرية من بين سائر الأمم لأجل قيامها بهذا الأمر العظيم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإن للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر دورهم في المجتمع وهو كبير. وأضاف الخامري أنه عندما نفهم ما أسند إليهم من أعمال تجدهم يتصدرون دور الإصلاح بين الناس، كما نجدهم يقومون على ما فيه صلاح العباد والبلاد، ونجدهم في خدمة المسلمين وقضاء حوائجهم، فهم - ولله الحمد - قدوة للناس في أعمال الخير. وأهاب الخامري في نهاية حديثه برجال الهيئة أن يستقطعوا من أوقاتهم جزءاً لخدمة المجتمع والسعي في قضاء حوائج إخوانهم المسلمين، وأن يكونوا منابر للخير والإصلاح ونشر الفضيلة. جانب مهم لنا من جانبه بين فضيلة مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة جازان الدكتور عبدالرحمن بن عمر المدخلي أن الإصلاح عزيمة راشدة ونية خيرة وإرادة مصلحة، والأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين، ويعيد الوئام إلى المتنازعين، إصلاح تسكن به النفوس وتأتلف به القلوب، ولا يقوم به إلا عصبة خيرة من خلق الله، شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم، وطابت منابتهم وإذا فقد الإصلاح هلكت الشعوب والأمم وفسدت البيوت والأسر، وتبددت الثروات وانتهكت الحرمات وعم الشر القريب والبعيد. والمصلح قلبه من أحسن القلوب وأطهرها، ونفسه تواقة للخير مشتاقة يبذل جهده ووقته وماله من أجل الإصلاح. وأوضح فضيلته أن النصوص من الكتاب والسنة دلت على فضل الصلح والثناء على أهله والقائمين به، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} (170)سورة الأعراف. كما قال تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، وروى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن أهل قُبَاء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فَأُخْبِرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال: (اذهبوا بنا نُصلح بينهم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة) رواه أبو داود. وأكد الشيخ المدخلي أن الرئاسة العامة لم تغفل هذا الجانب، فجهودها في هذا الباب معلومة، فنرى أعضاء الهيئة في كثير من اللجان الخيرية التي تعمل على الإحسان للناس وقضاء حوائجهم، ونراهم في لجان إصلاح ذات البين، ونراهم في كثير من محافل الخير، ولا شك أن المجتمع بحاجة ماسة لدور رجال الهيئة. وأشار فضيلته إلى أن ثمرة الأعمال الخيرة عندما تظهر في المجتمع تكون نتاج تضافر للجهود، وأهل الإحسان كثر في مجتمعنا ولله الحمد والمنة.
(*) إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
|
|
|
| |
|