| |
الذكرى الطيِّبة! سلمان بن عبد الله القباع / الرياض
|
|
قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} باب وكلُّ إنسان سوف يمر من خلاله .. الطفل الصبي .. الكبير في السن، الغني، الفقير. آجال مكتوبة .. قال تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} نغادر الدنيا ومتاعها، لا نعلم كم المدة التي سوف نعيش .. هادم اللذات آتٍ لا محالة! نفارق الأقارب والأصدقاء والحبيب .. نحزن لفراق من يعزّ علينا، تدمع العين لفراقهم .. لا نريد أن نجزع ففي الآخر قضاء وقدر ولا بدّ من تقبُّل أمر الله. لكن السؤال الأهم ماذا يبقى بعد رحيل الإنسان ومفارقته الدنيا؟ هل ترك شيئاً للناس، ولا أقصد أموالاً أو ما شابه ذلك، الإنسان بذكراه بعد رحيله، أي هناك رصيد وضعه الإنسان قبل وفاته، والرصيد يكون عند الآخرين! والكسب الحقيقي هو العمل الصالح قبل كل شيء وتأتي بعدها الذكرى الطيبة والجميلة التي وضعها الإنسان قبل وفاته، وهذا صلب مقالنا اليوم. الذكرى الطيبة والجميلة، ودماثة الأخلاق والتواضع وحب الآخرين، سمات يتمنى كلُّ شخص أن يكون له نصيب منها. هناك أصحاب رؤوس الأموال ووجهاء اقتصادياً في المجتمع .. منهم من يتصدّق ويعطف على الآخرين وينفق من أمواله للمساكين .. فهناك الجمعيات الخيرية وكفالة الأيتام وبناء المساجد والصدقات وغيرها قد استفادت من تبرعات رجل الأعمال ويستفيد منها الغير. سيكون فراق صاحب الأيادي البيضاء صعباً على المستفيد وخصوصاً المحتاجين الذين اعتادوا على النَّيل من أعماله الخيرية، وعند فراقه لن يجد سوى الدعاء من الناس وهذا هو المبتغى. وثمة من الناس يتقلّد منصباً أو توكل إليه مهمة، قد يكون ضرره أكثر من نفعه .. وهذه ظاهرة موجودة مع الأسف وليست وليدة الأمس أو اليوم!! فهناك من لديه المركزية البحتة، والتسلُّط على الموظفين وحب الذات، والقرارات الارتجالية والعنجهية الملازمة .. كلُّ هذه السمات لدى المدير، لكن ما الفائدة المرجوّة منها؟ لن يجد من هذه السمات إلاّ الذكرى السيئة التي سوف تدوّن في مذكرة حياته وموقعه من قِبل الآخرين، خصوصاً إذا كان متسبباً في إصدار قرار غير مرضٍ للموظف..!! كلُّ موظف لديه يتمنى أن يصدر قرار بنقله إلى جهة معيّنة للخلاص منه ومن أساليبه التي لا ترضي العاقل! حتى كبير السن في العمل لم يجد احتراماً من المدير أو الرئيس ويتعامل معه كأنّه جاهل في منزله! نعم أنا وغيري مع قاعدة وقت العمل عمل ولا نشك في ذلك .. لكن هناك من لديه حب العظمة وحب الذات الوظيفي، ولا يوجد لديه أي مانع من عمل الأساليب آنفة الذكر! مع أنّ السمع والتنفيذ إذا كان من مصلحة العمل ويفيد العمل هذا شيء لا يختلف عليه اثنان وهذا قبل كل شيء مدوّن بلائحة شئون الموظفين. إنّ المدير أو رئيس القسم هو من يتعامل مع الآخرين بشكل متساوٍ .. لا يظلم ولا يضر، يعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقه والسواسية وإبعاد النعرات بين موظفيه .. ويعاملهم بشفافية مطلقة دون وضع حواجز أو من كبر وغطرسة! وقد يتحسّر الكثير عند تقاعده أو وفاته لا قدر الله وسوف يفقدون من كان سبباً بعد الله لترقيتهم والوقوف بجانبهم في محنتهم! وفي النقيض ذاته من يفرح لتقاعد مديره أو رئيسه بل حتى عند وفاته لن يضع المتوفى سوى الذكرى السيئة له وسوف يذكرونه بكل عمل مشين وسيئ قام به .. قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ...} وعند تقاعده أيضا لا بدّ أن يضع أسئلة في مخيلته: ماذا استفدت من سماتي السيئة في العمل؟ ماذا وضعت للآخرين من ذكرى؟ عزيزي القارئ الكلام آنف الذكر لا يكون فقط على رجال الأعمال أو المسؤولين، بل ممتد ويمر حتى على الجار الملاصق لك من وجود ذكرى طيبة له عند (انتقاله) لحي آخر، أو يكون جاراً مؤذياً وقد خالف ما أوصانا به الله تعالى ثم الرسول عليه الصلاة والسلام. والصديق والمعلم في المدرسة ومعاملته مع طلابه، حتى العاملين في منشأتك أو في منتجعك و و و و...، كلٌّ منهم لا بدّ أن نعاملهم بالعمل الطيب وعدم ظلمهم، وقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام بأنّ دعوة المظلوم مستجابة .. وعلينا أن نراجع ونحاسب ونجاهد أنفسنا ولننظر إلى عيوبنا قبل أن نراها في الآخرين، فالسعيد الحقيقي من عمل صالحاً وكفّ عن أذى الناس وجعل أخلاقه وسماته الجميلة ذكرى عطره عند الآخرين بعد وفاته..والله المستعان.
|
|
|
| |
|