كان للتطور الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا تأثير قوي على نمط الحياة، وكان من العلامات المهمة التي صاحبت هذا التطور نمو العمل الخيري وتعدد توجُّهاته، فظهرت مؤسسات خيرية متنوعة قدّمت المال والجهد لمشروعات كثيرة، منها ما هو خارج الوطن ومنها ما هو داخله، والدافع الرئيس هو الرغبة في كسب رضى الله بفعل الخير.
حدث بعد ذلك تغيُّر نوعي في العمل الخيري نتيجة متغيرات عالمية وداخلية دفعت الدولة والقائمين على الأنشطة الخيرية إلى تقييم الجهود المبذولة والتوجهات التي يتم من خلالها العمل الخيري، وجرت عملية واسعة لإعادة هيكلة وتنسيق الجهود الخيرية والتطوعية في المجتمع لتحقيق أكبر فائدة من هذه الجهود الخيرية وتوجيهها للمستحقين من أبناء المجتمع.
لكن تبقى جهود الدكتور ناصر الرشيد في منأى عن التغيير، فمنذ أن وعينا على جهود هذا الرجل في مجالات العمل الخيري ونحن نرى توجهاً موسوماً بنظرة عميقة متميزة تجاه المشروعات الخيرية التي يعمل على تأسيسها وإنجازها من مفهوم يؤكد أن هذا الرجل تحكمه منظومة فكرية واضحة يعمل من خلالها سواء من حيث تأسيسه للمشروع الخيري أو تنفيذه، حتى ضمان استمراره في الزمان والمكان.
وحصر أعمال هذا الرجل من الصعوبة بمكان؛ فهو يعمل بجدّ ودأب لا يكلّ في مجالات العمل الخيري مثلما يعمل أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة لتنمية أموالهم، وقد نالت الخدمات الصحية في حائل جزءاً لا يُستهان به من تبرعات هذا الرجل الكريم حقاً، والسخي صدقاً، سواء بتبرُّعه بمركز كامل لطب العيون أو أجهزة غسيل كلوي، في سابقة فضل تشهد على إنسانية ورحمة هذا الرجل الكريم؛ مما دفع المديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة حائل إلى إطلاق اسمه على قاعة من قاعات وحدة الكلى الصناعية بمستشفى الملك خالد بحائل، التي ما فتئ يساهم في تجديدها نتيجة ما تعانيه أجهزة الغسيل الكلوي من ضغط كبير نتيجة استخدامها سنوات متواصلة وزيادة أعداد حالات الغسيل الكلوي، وذلك في إطار حرصه على المساهمة الإنسانية ومساعدة المحتاجين، ومتابعته الدائمة لدعم هذه التبرعات والحفاظ على قدرتها للقيام بالعمل الذي خُصِّصت من أجله، من خلال منظوره الخاص للعمل الخيري الذي يقدِّم نموذجاً مثالياً لمفهوم مشاركة المواطن الإيجابية والفاعلة في التنمية.
وتأتي درّة أعمال الدكتور الرشيد الخيرية ممثَّلةً في دار رعاية عصرية لأيتام حائل بتكلفة تقارب المائة مليون ريال، يقدم من خلالها حياة أكثر إنسانية لطائفة أخرى منسية أو مهمشة تقدم لها الخدمات والرعاية بشكل غير منتظم، لتأتي دار الأيتام هذه كمشروع شامل يمنح هذه الفئة المحرومة حياة كريمة واستقراراً.
وإذ نسأل الله سبحانه أن يتقبَّل هذا العمل الخيِّر من أعمال الدكتور ناصر الرشيد قبولاً حسناً نتوجَّه إلى كافة رجال الأعمال والقادرين بدعوة صادقة للتنافس في إقامة المشروعات الخيرية ذات الأبعاد الإنسانية التي تعود بالنفع على الوطن والمواطن كما فعل ويفعل الدكتور الرشيد، وهكذا يردُّون لهذه البلاد جميل معروفها عليهم، حيث الأقربون أولى بالمعروف، وحيث حان الوقت لتبنِّي مفهوم العمل الخيري بهذه الأبعاد الإنسانية في مرحلة تستلزم تغيُّر المفاهيم التقليدية لهذا العمل ليصبح عملاً اجتماعياً تنموياً يساهم في تطوير وتنمية الخدمات التي تضيِّق الهوة بين الفئات المختلفة، وتنمي التعاضد في مجتمع يشدّ بعضه أزر بعض، ويصبح المستفيدون من هذه الخدمة في حالة من الكرامة تحفظ لهم ماء وجوههم، وتقيهم إراقة ماء الوجه في المسألة حين يتزاحمون على مكاتب وجهات تقدِّم لهم الدعم، لكنها قد تغفل أبعاداً إنسانية حساسة تمسّ مشاعرهم.
إن مشروع الدكتور ناصر الرشيد لبناء دار أيتام حائل سوف يسهم في بناء ثقافة عمل خيري جديدة مختلفة عما ساد من قبل، وسوف يدعم الأسلوب السابق للدكتور الرشيد في العمل الخيري الذي تجسّده مجموعة دور الرعاية الاجتماعية التي تحمل اسمه الكريم في مختلف بقاع المملكة، وأشكال الدعم المختلفة لفئات من المرضى والمحتاجين للخدمات الصحية النوعية؛ مثل مرضى الفشل الكلوي وغيرهم. ويظلّ النموذج الواضح على الطبيعة الناضجة لمشروعات هذا الرجل سلسلة مراكز رعاية المعاقين التي أنشأها في مختلف مناطق المملكة لتقديم الرعاية الشاملة والمتميزة لفئة شبه منسية ومهمشة في المجتمع اقتصرت رعايتها في الماضي على جهود مؤسسات الدولة، فجاء هذا الرجل ليقدّم مبادرته الرائدة لدعم خدمات المعاقين.
إن تحليل مشروع الدكتور الرشيد الاجتماعي الخيري يؤكد توجُّه هذا المشروع للوفاء بالحاجات الإنسانية لفئات اجتماعية هي الأشد احتياجاً، كما يؤكد حرص هذا المشروع على استمرار وتأمين المشروعات المنجزة بنقل مسؤوليتها بعد استكمالها لمؤسسات الدولة أو تأمين مصدر دائم للدخل من خلال مؤسسات اقتصادية وقفية تضمن تأمين الاحتياجات المادية للمؤسسة الخيرية التي يؤسسها.
إن نموّ مفهوم المجتمع المدني في التنمية الحضارية والإنسانية في المجتمع السعودي سمة أساسية من سمات التطور الذي يشهده مجتمعنا الذي يمثّل الدكتور ناصر الرشيد أحد دعاماته، ونموذجاً فذاً من نماذجه الإيجابية، حيث تشكل جهود هذا الرجل تطبيقاً لمفهوم مشاركة المجتمع المدني في التنمية وتبنِّي القضايا الإنسانية وتقديم الحلول العلمية الناجعة لها.
وتبقى كلمة حق لا بدَّ من ذكرها، وهي أن جهود هذا الرجل الخيرة، التي تأتي في إطار إيمانه العميق بالله ثم بواجبه نحو المال الذي استخلفه الله فيه فأنفقه حيث يحبّ ربه من منطلقات إسلامية وطنية إنسانية؛ لم يكن لها أن ترى النور لولا دعم القيادة الوطنية المخلصة في بلادنا الخيرة للعمل الخيري، وفي المقدمة دوماً خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي عهده الأمين.
لقد عبّر الدكتور الرشيد في كلمته التي ألقاها في حفل توقيع عقد إنشاء دار الأيتام عن تفاعل الدولة المؤثر مع جهود المجتمع المدني الخيرية حين تحدث عن الدور المؤثر لقيادة البلاد، فقال: (إنه لولا الدعم المباشر من الملك عبد الله بن عبد العزيز لتأخَّر هذا المشروع سنوات في ظلّ عدم وجود الأرض المناسبة). حيث تؤكد هذه الكلمات الواضحة الصريحة مدى اهتمام القيادة السياسية بالعمل الخيري، واطلاعها على تفاصيل العمل فيه، ودعمها العلمي والمباشر للجهود التي يتبنَّاها الموسرون الخيِّرون من أبناء الوطن أمثال الدكتور الرشيد؛ حيث تعمل قيادتنا السياسية مع مختلف الجهود الرامية للتنمية الإنسانية وتدعمها بالعمل؛ حيث لا تكتفي بالقول المشجِّع.
ويوضح الدكتور الرشيد كيف أن رجل الدولة الأول خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله يستطيع وسط أعبائه الجسام أن يجد الوقت ليولي الاهتمام لمثل هذا المشروع، فيقول: (لقد تفضَّل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله منذ أن علم بنيَّتي في إقامة هذا العمل ابتغاء وجه الله فأمر أن تُخصَّص لنا الأرض المناسبة، وهو ما تم على أرضٍ لوزارة الشؤون الاجتماعية).
وحرصاً من الدكتور ناصر الرشيد على أن يعطي كل ذي حق حقه يثنِّي بتوضيح الدعم الذي تحصل عليه جهوده الخيرية من كبار رجال الدولة، فيقول في حق وليّ العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز: (والشكر موصول لسمو ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز الذي ما فتئ يدعمني في كل عمل أقوم به من الأعمال الخيرية).
ويوضح أهمية دعم السلطة الإدارية العليا للمشروعات الخيرية كضرورة للبناء، فيشير إلى دعم أمير منطقة حائل للعمل الخيري قائلاً: (وشكر خاص لصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن أمير منطقة حائل الذي سهّل لنا كل عسير في هذا المشروع الخيري أو ما سبقه من أعمال خيرية أخرى).
تحية من الأعماق للدكتور ناصر الرشيد ولكل النماذج الوطنية الخيِّرة التي تقدِّم جهودها من أجل الوطن كما يفعل كل محبي هذه البلاد، هؤلاء الذين جسدوا شكرهم لله على نعمهم بالإنفاق في سبيله، وكان حال الدكتور الرشيد يردِّد كلمات جده الطائي حاتم: