| |
التاريخ لا يضعفنا بل هو مصدر قوتنا خالد عبدالعزيز الحمادا /بريدة
|
|
هناك من يضيق أفقه ولا تسع همه ووعيه للتاريخ الذي يحسب في رصيد الأمم.. بعض الناس يتصور أن التاريخ عبارة عن مادة تقرأ في الكتب وتركن في الأدراج.. وبعضهم يتصور أن التاريخ عبارة عن تعطيل للواقع وتوقف عن الإنتاج وعن العمل والركون إلى الماضي والبكاء على أمجاده وبطولاته، وهناك من انهزم أمام تفوق وقفزات الأمم الأخرى وراح يجلد ذاته ويؤنِّب نفسه ويسخر من تاريخه وماضيه ويعتبره هو السبب في تخلفنا وتراجعنا.. وهناك وهناك.. لكن كل هؤلاء في تصوري.. لم يتوصلوا إلى القيمة العميقة والأصيلة للتاريخ.. التاريخ هو خلاصة التجارب ورصيد الحياة بل هو الخريطة الجينية للأمم وإذا كان الإنسان يدرج على هذه البسيطة ويعيش هذه الحياة برصيده من الخبرة والتجربة فالتاريخ هو قاموس حياتي للأمم تنهل منه وترجع إليه كلما ضاقت الأمور وادلهمت الخطوب، والتاريخ لا ينصرك ولا يهزمك، فالنصر من عند الله والهزيمة بإذن الله.. لكنه أي التاريخ يسندك وتعود إلى تجاربه وتنهل من خبراته كلما مسَّتك الحياة ودفعتك الظروف وجرَّتك الأحداث. ولا يعني هذا أن الأمم لا تسود إلا بمالها من رصيد تاريخي لا أبداً فقد تسود أمة بمالها من قوة وجانب حياتي تفوقت به، فمثلاً أمريكا تسيَّدت العالم بقوتها العسكرية والاقتصادية والتقانية وليس لها من التاريخ شيئاً يذكر لكنه تسيّد وتفوق مؤقتاً وما هي إلا سنوات وستشاهد هذه القوة تضعف وتتفكك لماذا؟ لأن أمة التاريخ يربطها عقيدة وثقافة ويجمعها مبدأ ويضيء طريقها هدف تسعى إليه وتجاهد لتحقيقه. أما أمة اللا تاريخ فلا مبدأ يجمعها ولا عقيدة توحدها ولا صلة ولا رحم يربطها وإنما الجامع لها المصلحة وهي كالمؤسسة والشركة الجميع يجاهد لزيادة الإنتاج وعندما تكسد السلعة ويضعف الإنتاج وتخسر الشركة يتفرق الجمع ويولون الدبر. وكذلك أمة اللا تاريخ تتعاظم فيها الأزمات والمشكلات وقد تقضي عليها لأنها لا تملك رصيداً من التاريخ والتجارب تعود إليه في الأزمات وتبحث عن انفراج لأزماتها ومشكلاتها. ونحن أمة التاريخ لنا رصيد لا ينضب من التجارب والمواقف والأحداث وهذا الرصيد نسحب منه كلما ضاقت علينا وتأزمت أمورنا.. لكن قد يأتي من يقول: إن رصيدك التاريخي الكبير لم ينفعك، فهذه أمتك في مؤخرة الأمم وجسدها ضعيف مسجى كل ينهشه ويحاول النيل منه.. فكيف تحدثنا عن التاريخ وكأنه يميزِّنا تساؤل قد يرد عند البعض لكن الذي أردته أن الله جل وعلا قدَّر الأحداث على هذه الأمة وأعطاها من التاريخ (رصيد التجارب والمواقف والمعارك والأحداث) ما يصبِّرها ويخفف أزماتها ويضيء طريقها ولو قرعت الأحداث التي نعيشها الآن أبواب أمة أخرى ما استطاعت أن تقف على قدميها. إذاً قراءة التاريخ واجتذاب قصصه وأحداثه وجعلها حاضره معنا في واقعنا هذا ليس سلبياً كما يصور البعض - وإنما هو سمة إيجابية - لأنه يقوي عزائمنا ويحافظ على تماسكنا فنحن نعيد التاريخ ونقرؤه لنستفيد منه ونتعظ بدروسه ونغذي به نفوسنا لا لنبكي حوله ونرثي ماضينا ولا لنؤنِّب أنفسنا ونجلد ذاتنا. سطور أخيرة التاريخ هو وقود الأمة ومصدر إلهامها وأرضها الثابتة الصلبة التي تقف عليها كلما عصرتها الأيام وقلبَّتها الأحداث.
alhamada1427@hotmail.com |
|
|
| |
|