نشرت مجلة المجمع العلمي العربي مقالاً مطولاً صوره لي أستاذنا الجاسر - رحمه الله -، ونقله لي أصلاً الأستاذ الفاضل أحمد المانع الملحق الثقافي بالقاهرة - شفاه الله وعافاه -، المقال نشر في - الجزء الثالث - المجلد السابع والثلاثون محرم عام 1382هـ تموز 1962م بقلم الأستاذ أحمد الجندي، عضو المجمع العلمي قال فيه: (أهدانا الأستاذ عبد الله بن إدريس هذه الدراسة القيمة التي تناولت شعراء نجد المعاصرين، ونجد قطر عزيز على كل عربي، إذا ذكرناه ذكرنا فيه شعراءنا القدامى؛ وأمجادنا العريقة. وذهب بنا الخاطر إلى تلك الأماكن المحببة إلينا في تاريخنا الأدبي، وكل من قرأ شيئاً عن نجد لابد أن يذكر الأعشى، وامرأ القيس، وعنترة، وجريراً ولابد أن يسبق ذكره إلى تلك الهضاب والعيون والغدران فيتذكر أقوال الشعراء:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد |
لقد زادني مسراك وجداً على وجد |
فلهذا البلد الطيب نوطة في القلب، ومحل في النفس يتحرك له وجدان كل عربي ليعتز بأصله ويفخر بأهله).
أسوق هنا لقرائي هذه الفقرات القصيرة من أول المقال في مجلة المجمع العلمي العربي، بدمشق لأدلل على أن ما قاله الكاتب السوري هنا يتوافق مع الهدف الذي قصدته من تأليف هذا الكتاب. أعني التعريف بشعر وشعراء هذا الإقليم من أقاليم شبه الجزيرة العربية المعاصرين، الذين أعادوا شيئاً من مجده الشعري الشامخ في العصور القديمة.. وبأن هذا الشعر في هذا الإقليم العربي لا يصح إغفاله.. وبخاصة أن الأقاليم المحيطة (بنجد) قد خُدمت، ولو إلى حد يسير، في نشر شيء من شعر شعرائها في كتب.. مما حدا بي أن أقوم بواجبي لربط الحلقة المفقودة؛ بالحلقات الموجودة؛ حتى يكون الأدب عامة وقمته الشعر، معبراً عن هموم الأمة العربية، ومخاطباً مشاعرها وأحاسيسها وهازا للنخوة فيها للحراك الأدبي والاجتماعي والسياسي والعسكري. لكي تتولى بنفسها قيادة مصيرها في معركة الحياة للحاق بركب التطور التكنولوجي والابتكارات الإنسانية التي ما زلنا عالة على منتجيها وهم أعدا.
نازك الملائكة
كانت أكثر لقاءاتي مع القمم الأدبية التي اخترت اللقاء بها.. لقاءات مرتبة ومتفقاً عليها زماناً ومكاناً.. إلا الشاعرة العراقية الشهيرة نازك الملائكة: فقد جاء لقائي بها مصادفة.. حيث كنت جالساً مع الأديبين السعوديين محمد سعيد العامودي، وعلي حافظ، - رحمهما الله - في قاعة الاستقبال بفندق (شبرد) بالقاهرة. فمرت بنا وجلست على كرسي قريب منا، وسلمت علينا بإشارة من يدها لما رأتنا نحكي ونصوب أنظارنا إليها.. فعرفت أننا نتكلم عنها.. فقامت وسحبت كرسيها وجلست معنا وتم التعارف بيننا.. قالت أنت فلان صاحب كتاب الشعر في نجد أو الشعراء في نجد؟ قلت نعم: وصححت لها اسم الكتاب (شعراء نجد المعاصرون). قالت نعم نعم أشكرك جزيلاً على إهدائي نسخة منه وقد كتبت عنه مقالاً في إحدى الجرائد البغدادية اليومية. قلت: شكراً. وحبذا لو حصلت عليه للاطلاع ومعرفة رأيك فيه. ولا سيما أنه سيكون رأي الشاعرة الرائدة في الشعر الحر..؟ قالت عندما أعود إلى العراق، سأبحث عنه بين أوراقي.. وان كان البحث فيها مضنياً؛ لكثرتها وتراكمها.. قلت كلنا هذا الشاكي من كثرة وتراكم الأوراق، ولكن أنت ستكونين منظمة ومرتبة أكثر مني قالت لم؟ قلت لأنكم أقدم حضارة منا.
ثم قلت لها دعينا ندخل إلى عالم الشعر الجديد؛ ومن هو الأول في القصيدة التفعيلية؟ أنت أم بدر شاكر السياب، أم سواكما؟ قالت لا يا أستاذ.. الحكم بيني وبين بدر السياب هو نشر القصيدة.. وأنا نشرت قصيدتي التي تتحدث عن الطاعون الذي أصاب مصر وسُميِّتْ (الكوليرا) وسميتُ قصيدتي بها.. وقد نشرت عام 1947م أي قبل السياب.
وتطرقتُ معها للحديث عن (عبد الوهاب البياتي) الذي وصف كتاب الشعر الموزون المقفى ب(صيادي الذباب)؟ فتكلمت بكلام نسيته، لكن فحواه أنها لا توافقه أبداً على هذا الوصف..! وأبديت لها وجهة نظري أن شعر (البياتي) هذا الذي يماري به الشعر الأصيل هو شعر ضعيف ومتهالك!! وأيدتْ وجهة نظري.. وقد أثنيت على شعرها وشعر السياب وبلند الحيدري. وأحمد عبد المعطي حجازي.. وفؤاد الخشن من لبنان.
الشاعرة نازك أخذت تهديني دواوينها بعد إهدائي كتابي شعراء نجد إليها.
بل وأهدتني ديوان والدتها (أم نزار الملائكة) الذي هو بعنوان (أنشودة المجد). وجاءت صيغة الإهداء هكذا: (ديوان والدتي أهديه إلى رئيس تحرير جريدة الدعوة) السيد عبد الله بن إدريس مع الشكر والتقدير والتحيات. نازك الملائكة.
جامعة البصرة في 5-7-1968م.
جاء في غلاف هذا الديوان ما يلي:
(قدم هذا الديوان بكل تكاليفه هبة إلى منظمة التحرير الفلسطينية ببغداد لتتصرف بثمنه لمصلحتها). وقدمت له نازك مقدمة مطولة في (20) صفحة وأوردت نماذج من شعر والدتها.. أذكر منها المقطع التالي الذي يدل على أن والدتها مناضلة وشديدة العداء لليهود. وشديدة السخط على أمتها العربية (النائمة).
ثوى القوم في غفلة الميتين |
نَغُضُّ الجفون على الأرذلين |
(أنشودة المجد ص 13).
|