| |
عامل الوقت في تعلُّم اللغة الأجنبية .. القضية المهملة في عملية الابتعاث الخارجي د. خالد بن محمد الصغيّر
|
|
الابتعاث للدراسة في المؤسسات والجامعات الغربية تجربة ذات زوايا وأبعاد مختلفة؛ فالدارس - باعتباره محور هذه التجربة - يمر خلال فترة الابتعاث بمراحل متعدِّدة، ويتعامل مع قضايا متباينة، وإحدى هذه القضايا قضية المدة الزمنية التي تتطلّبها عملية تعلُّم اللغة الأجنبية أو بالأحرى لغة الدراسة. فعملية تعلُّم اللغة الأجنبية عملية مركَّبة تقوم على تعلُّم أنظمة لغوية متداخلة يتطلّب إتقانها وقتاً طويلاً، ولذا إذا لم تتهيأ الفرصة الكاملة للمتعلم لإتقانها فإنّ ذلك يؤدي لانعكاسات سلبية، وتجربة تعليمية فاشلة. والمعروف أنّ القدرة اللغوية تُعَدُّ حجر الأساس في تجربة الابتعاث، لأنّ امتلاك ناصية اللغة يمثل الوسيلة التي تمكّن الدارس أن يكون عضواً فعّالاً في محيطه الأكاديمي. وبالرغم من إدراك ومعرفة هذه الحقيقة فإنّ النظرة الاعتقادية، والممارسات الفعلية على أرض الواقع من قِبل المبتعثين أنفسهم، ومسؤولي الابتعاث في المؤسسات الحكومية، والجامعات لا تساعد على خلق القدرة والفعالية اللغوية المطلوبة، فالكثير من المسؤولين في الجامعات، ومؤسسات الدولة يعتقدون أنّ تعلُّم اللغة يمكن تحصيله بصورة أسرع، وأكفأ من خلال إرسال المتعلم إلى بلد اللغة الأم. ويشاطرهم الرأي المبتعثون الذين يعتقدون جازمين أنّ إمضاء سنة واحدة كفيلة بتمكين المرء من إتقان اللغة الأجنبية ولذا يتحاشون فكرة الإعداد اللغوي داخل الوطن، بل ويعتقدون جازمين أنّ الإقدام على مثل ذلك هو ضرب من إهدار في الوقت، والمال، والجهد. وحتى يمكن إثبات أنّ كلاًّ من الفريقين - المسؤول والمبتعَث - غير صائب في نظرته تلك، يجدر بنا أن نناقش باختصار بعض المعلومات المتعلِّقة بتعلُّم اللغة الأجنبية واللغة الإنجليزية بصفة خاصة. إنّ عملية تعلُّم اللغة الأجنبية يستغرق وقتاً طويلاً أطول مما يتخيله المرء الذي هو على أبواب الإقدام على تجربة من ذلك النوع. وهذا مردُّه إلى أنّ اللغة في الواقع عبارة عن نظام صوتي، ونظام مفردي، ونظام تراكيبي شديد التعقيد، وكلُّ واحد من هذه الأنظمة يختلف عن الآخر، ويتطلّب إتقانه إدراكاً ذهنياً، وتعرضاً لغوياً مكثفاً، والكثير الكثير من الممارسة اللغوية، والشرط الوحيد لتعلُّم هذه الأنظمة مستقلة ومجتمعة يكمنُ في إعطاء الوقت الكافي للمتعلم بعيداً عن الضغوط الوقتية، والنظامية حتى يتمكن المتعلم من عملية هضم النظام اللغوي الجديد بصورة فاعلة. هناك فرق بين تعلُّّّّم اللغة الأجنبية لهدف أكاديمي وتعلُّمها لأهداف أخرى كالقدرة على التعامل اليومي مع أهل اللغة المتعلَّمة، فبالنسبة للهدف الأخير فإنّ إمضاء سنة في تعلُّم اللغة الأجنبية أو لغة الدراسة كفيل بتمكين المرء من إنهاء معاملة يومية كالتسوُّق، وتبادل التحايا، والسؤال عن مكان ما وغيرها من مجالات استخدام اللغات خلال التعاملات اليومية، ولكن إمضاء هذه المدة ليس كفيلاً بتمكين المرء من الوصول إلى مستوى لغوي يمكنه من النجاح في دراساته والعليا بالأخص. فطبيعة الدراسات الجامعية وما فوق الجامعية ترتكز على حصيلة لغوية عالية تمكن الطالب من القدرة على خوض نقاش علمي يكون من خلاله قادراً على التعبير عن فكرته، ورافضاً لجملة أفكار، ومؤيداً لأخرى. وأيضاً تتطلّب قدرة كتابية أكاديمية تنبئ عن قدرة على عرض الأفكار، ورصها بطريقة أكاديمية تعتمد على المحصول اللغوي العالي على مستوى المفردة، والتركيب، والعرض التنظيمي الأكاديمي، وهي أيضاً تتطلّب قدرة قرائية تمكن المرء من قراءة كمٍّ هائل من الصفحات مع قدرة على الاستيعاب، والفهم، والتحليل، ولا أُخال أنّ سنة واحدة تكفي لأن يصل من بدأ بمعرفة أساسيات اللغة من مفردات، وتراكيب يسيرة من الوصول إلى مستوى لغوي يتلاءم مع مرحلة الماجستير، أو الدكتوراه، بل وحتى مرحلة البكالوريوس. وهذا يقودنا بدوره إلى الحديث عن النتائج المترتبة على عدم المعرفة المسبقة بهذه الحقيقة. عدم إدراك هذه الحقيقة يترتب عليه انعكاسات سلبية واصطدام المتعلم بهذه الحقيقة التي لم يهيأ لها سلفاً، وبخاصة أنّ المُقدم على الابتعاث قد يسمع من يقول إنّه خلال أشهر معدودة، أو سنة سوف تتمكن من إتقان اللغة الأجنبية بشكل يكفل لك النجاح في دراستك. وعدم إدراك المبتعَث إلى أنّ تعلُّم اللغة الأجنبية يستغرق وقتاً طويلاً يجعله يفقد الثقة بالنفس، وربما اتهامها بالنقص الذهني المُمكّن لتعلُّم اللغة الأجنبية، والمحصلة النهائية المتوقعة لذلك كله كمٌّ كبير من الإحباط، والتفكير الجاد بالعودة إلى الوطن قبل إكمال المهمة العلمية التي جاء من أجلها. وهناك من يدرك هذه الحقيقة ومع ذلك يواصل مسيرته لأنّه محكوم بنظم، ومدة معيّنة تفرض عليه أن يغضَّ الطرف عن الضعف اللغوي، والاعتماد على طرق غير مشروعة لإتمام الدرجة العلمية، وهذا في النهاية يؤدي إلى تبوؤ هذه الشخصية مركزاً علمياً، أو إدارياً، أو قيادياً من غير تأهيل علمي وعملي مناسب. والمخرج من هذه المعضلة التعليمية يكمن في إيجاد مراكز تأهيل لغوي لمبتعثي الدولة على درجة عالية من التميُّز ويقوم عليها من هو مشهود له بالكفاءة في مجال تعليم وتدريس اللغات الأجنبية التي سوف يدرس بها أبناؤنا الذين وقع عليهم الاختيار للابتعاث، ومن المتوقع أنّ إيجاد هذا النوع من هذه المراكز الإعدادية اللغوية سيعود بفوائد اقتصادية، ولغوية، فالفائدة الاقتصادية تتمثّل بتوفير الكثير من الأموال لخزينة الدولة التي تصرف على الطالب من رسوم دراسية ومصروفات معيشية خلال فترة تعلُّم اللغة التي تتراوح بين السنة والسنة والنصف، لأنّ ذلك سوف يتم اختصاره في نصف سنة على الأرجح بالنظر إلى فترة الإعداد اللغوي المكثف التي مر بها الطالب في الوطن. ومن جانب آخر الفائدة اللغوية تتمثّل أولاً بتوفير مناخ لغوي أكثر إيجابية، فتعلُّم اللغة في الوطن يتم تحت ظروف يمكن وصفها بالأقل ضغطاً، لأنّ المتعلِّم لن يكون - في آن واحد - تحت ضغط الغربة ومحاولة التأقلم مع البيئة الجديدة، وتجربة تعلُّم اللغة الأجنبية، والفائدة اللغوية الأخرى التي يمكن جنيها من تعلُّم اللغة في مراكز تأهيل لغوية داخل الوطن يمكن إدراكه من خلال ملاحظة أنّ النظام الحالي المتمثّل في إتاحة الفرصة للمبتعث للقيام بعملية تعلُّم اللغة في بلد الدراسة كاملة، ومن ثم تتم عملية التطور اللغوي أثناء دراسته الأكاديمية يحرم الطالب من الإبداع، والتميُّز في مجال تخصصه نظراً للقصور اللغوي الذي هو حصيلة قصر تجربة عملية تعلُّم اللغة التي مر بها المبتعث، بينما الأخذ بالخيار المطروح أو المقترح - أي دراسة اللغة في مراكز ومعاهد لغة وطنية - سيمكن المبتعث من تعلُّم اللغة وأساسياتها في الوطن، ومن ثم تتم عملية التطوُّر أو الإتقان اللغوي في المرحلة المؤقتة، التي يُفترض أن تصل إلى مدّة أقصاها نصف سنة، والتي تلي وصول المبتعث إلى مكان الدراسة وتسبق انضمامه لبرنامجه الأكاديمي الذي سيتخصص فيه.
أكاديمي سعودي
alseghayer@yahoo.com |
|
|
| |
|