| |
تخصيص القوات المسلحة الأمريكية ندى الفايز
|
|
أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش استقالة وزير دفاعه دونالد رامسفيلد وترشيح المدير الأسبق لوكالة المخابرات المركزية(CIA) روبرت غيتس بدلاً منه، كما أعلن كذلك استقالة جون بولتون سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة من منصبه، ولوحظ أن كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية تحجب نفسها عن الظهور الإعلامي قدر الإمكان خلال هذه الفترة. وعودةً إلى رامسفيلد الذي تؤكد المصادر من داخل مبنى الكونجرس أنه أُقيل (لا) استقال من وزارة الدفاع الأمريكية، وذلك بسبب تعرُّضه لانتقادات حادة من الديمقراطيين بالكونجرس الذين لا يرحِّبون إطلاقاً بوجوده، وبخاصة بعد فوزهم بأغلبية المقاعد بالكونجرس وتغيُّر ميزان القوى لصالحهم. صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أوضحت أن استقالة دونالد رامسفيلد من منصبه كوزير للدفاع جاءت استجابةً للغضب العارم من قبل الشعب الأمريكي نحو إخفاقات وزارة الدفاع الأمريكية في العراق التي جعلت حتى الرئيس الأمريكي يتوقف في خطاباته عن استخدام عبارته الشهيرة بالدفاع عن رامسفيلد بالقول حسب ما أوضحت صحيفة نيويورك تايمز أن جورج بوش اعتاد القول: إن رامسفيلد جاء للبنتاجون ليبقى فيه لا ليرحل عنه. هذه، وقد (لا) يعرف القرّاء في العالم العربي الكثير عن رامسفيلد غير فضيحة سجن (أبو غريب) في العراق في ربيع عام 2004م، وأن الرجل كان طياراً في البحرية الأمريكية وترأس شركات مالية، كما أن الشعب الأمريكي يرى رامسفيلد رجل أعمال ناجحاً بالدرجة الأولى أكثر من كونه رجل دولة ناجحاً، وخصوصاً أنه أكمل برنامج تخصيص القوات المسلحة بالجيش الأمريكي على أكمل وجه، حتى إن العديد من المحللين العسكريين داخل الولايات المتحدة يرون أن دولتهم مرّت بمرحلة غريبة وغير مسبوقة، وبخاصة بالنسبة لتاريخ عمل البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية)، هذه المرحلة التي جعلت القطاع الخاص لأول مرة في التاريخ العسكري يدخل بصفة مقاول حرب من الباطن عبر الشركات الأمنية العملاقة ( Private Security Firms) العاملة في القطاع الخاص، وغالباً ما تكون شركات متعددة الجنسيات ومنتشرة على أقل تقدير في أكثر من 50 دولة حول العالم، حتى إن القضية من هول وقعها ألهمت بيتر. دبيو. سينجرو المحلل العسكري في الصحف الأمريكية المعروف بمصداقيته ويعمل في معهد بروكينجز، وهو أحد أكبر مراكز الفكر المرموقة في واشنطن؛ بإصدار كتاب بعنوان Corporate Warriors يتناول فيه برنامج خصخصة القوات العسكرية military privatisation، الأمر الذي لا يقصد به مؤلف الكتاب عملية خصخصة الصناعة الحربية أو حتى صيانة الأسلحة والمعدات العسكرية، بل يقصد برنامج خصخصة القوات البشرية العسكرية في الجيش الأمريكي؛ مما يعني أن الجيش الأمريكي يضمّ مرتزقة، ومصطلح المرتزقة mercenaries يُطلق على مجموعات من العسكريين الغربيين المتقاعدين أو حتى من غير المتقاعدين ممن تم تدريبهم في القطاع الخاص ولم يتخرجوا في كليات عسكرية، وكذلك يمكن أن يُقصد به من يُعرفون بsoldiers of fortune، وهم الفاشلون في حياتهم، وغيرهم كثيرون ممن هم على استعداد لأن يبيعوا خدماتهم ومهاراتهم القتالية في مجال الحراسة الخاصة أو الحروب الأهلية أو حتى الحروب الإقليمية أو حتى الحروب التي تزعم أنها ضد الإرهاب مقابل مردود مادي. هذا، وقد تطوّر مفهوم المرتزقة حتى أصبح نشاطاً تجارياً رسمياً معترفاً به داخل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم يخضع لقانون العمل التجاري وآليات العرض والطلب على الصعيد العالمي، وبخاصة في مناطق التوتر الحساسة في العالم. هذا، ومن أشهر شركات المرتزقة العاملة في العالم شركة جنوب إفريقية تسمى (Executive outcomes) ، والبريطانية (تورث بريدج) و(كيلوج براون آند روت)، و(داين كورب) ساندلاين، وأشهرها على الإطلاق الأمريكية (MPRI). وتحقق شركة (إم بي آر آي) الأمريكية على سبيل المثال دخلاً سنوياً يزيد على 100 مليون دولار، وذلك نتيجة عقود مع البنتاجون ووزارة الخارجية الأمريكية. ويحقق العسكريون المتقاعدون العاملون في هذه الشركة - وفق إحصاءات أمريكية رسمية - ضعفين إلى ثلاثة أضعاف ما كانوا يتقاضونه من البنتاجون وميزات كثيرة، إضافةً إلى عدم خضوع المقاتلين المؤجرين بها لاتفاقيات جنيف أو غيرها من الاتفاقيات التي تنظم المعاملات الإنسانية داخل صفوف الجيوش الرسمية، وفضيحة سجن (أبو غريب) وغيرها كان للمقاتلين المؤجرين أيادٍ فيها. هذا، ومعروف أن الخصخصة أو ما يُعرف بالتخصيص يُقصد به طرح أو تصفية ملكية الدولة للشركات العامة وطرحها للقطاع الخاص بهدف تحجيم التدخل الحكومي وإعطاء فرصة للقطاع الخاص للمشاركة حسب آليات العرض والطلب في ظل المنافسة العادلة بين الشركات التجارية في السوق، على أن تُجرى برامج الخصخصة في إطار ديمقراطي يطرح فرصاً متساوية ومتكافئة لمؤسسات القطاع الخاص في الاستفادة من عملية التخصيص دون أن تحتكر جماعة من رجال الأعمال أو الشركات التجارية ملكية ما تطرحه الدولة للقطاع الخاص. وبعيداً عن الدوافع الاقتصادية التي سوف تجنيها وزارة الدفاع الأمريكية من ذلك بغض النظر عن الجانب الإنساني والوطني، فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما يُتوفَّى إفريقي يقود شاحنة إمداد في خطوط الجبهة لن تتكفَّل القوات المسلحة الأمريكية برعاية أسرته أو عدّه ضمن صفوف القتلى في الإحصائيات الرسمية أمام الرأي العام. الأمر لا يتوقف عند هذه الحد، بل يتعداه إلى جوانب أخرى متعددة للغاية استدعت أن تصدر رئيسة فريق العمل التابع للأمم المتحدة أماندا بنابيدس تصريحاً لإذاعة (بي بي سي) حول استخدام المرتزقة في الحروب وانتهاك حقوق الإنسان المترتبة على ذلك، قائلةً: نواجه مشكلة حقيقية، وهي مشكلة (مقاولين الحروب)، هذا المصطلح الجديد الذي أُطلق على الشركات التي تتعاقد مع أشخاص بهدف الذهاب إلى الحرب في نظير مقابل مادي، وهو ما كان يُعرف قديماً بنظام المرتزقة الذي أخذ يعود ويظهر من جديد نتيجة خصخصة الخدمات التي كانت الدولة تقدّمها في السابق ممثَّلةً في قوات وزارة الدفاع. كما جاء في محطة الb.b.c تحذيرات على لسان منظمة (وور اون وونت) البريطانية من أن شركات الأمن الخاصة التي تعمل في العراق ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان، موضحةً أنه لم يتم اتخاذ أي إجراءات قضائية حتى الآن على رغم مئات الشكاوى من حصول انتهاكات. وقال التقرير: إن الحكومة البريطانية تكثّف من لجوئها إلى شركات الأمن الخاصة التي بلغ عدد موظفيها في العراق نحو 48 ألفاً، وهو ما نسبته ستة موظفين لكل جندي بريطاني منتشر في هذا البلد. ودعت المنظمة الحكومة البريطانية إلى اعتماد قانون لمنع شركات الأمن الخاصة من العمل في مناطق الحرب، حيث أوضح جون هيلاري المسؤول في المنظمة أن احتلال العراق سمح للمرتزقة البريطانيين بجني أرباح هائلة. مجلة الإيكنوميست البريطانية نشرت مقالاً بعنوان (شجرة بغداد) في إشارة إلى ازدهار سوق العمل التي تشرف عليها الشركات الخاصة المشرفة على تجنيد المرتزقة للعمل في العراق. وكشفت المجلة عن شركة Global Risk Strategies التي تتخذ من لندن مقراً لها وتبعث مرتزقةً إلى العراق، وأضافت المجلة أن الشركات العسكرية الخاصة Private military companies (PMCصs) تحتل المرتبة الثالثة في دعم الجهود العسكرية الأمريكية والبريطانية في العراق وغيره من المناطق الساخنة في العالم. أما جريدة مثل هيرالد تريبيون الأمريكية Herald Tribune فقد نشرت إعلاناً عن شركة مسجَّلة رسمياً في ديرهام في شمال كارولاينا بالولايات المتحدة تعمل تحت اسم Blackwater USA وتشرف على منشآت على مساحة 2.100 هكتار لتدريب المرتزقة (أو مَن يُسمَّوْن المارينز السابقين وArmy Rangers وNavy Seals) قبل إرسالهم إلى الخدمة في العراق. بينما أشار تقرير مهم نشرته صحيفة (لوموند ديبلوماتيك) الفرنسية أن الدخل الأساسي لشركات المرتزقة الآن لم يعد يأتي من بلدان ما وراء البحار الفقيرة كالسابق، بل من دول الشمال الغنية، حيث الجيوش الغربية المحترفة التي (تخصخص) نشاطاتها أكثر من أعمال الحراسة والصيانة والتدريب والتعاون والقتال. وقالت الصحيفة الفرنسية: إن قطاع النشاطات الأمنية الخاصة الموسَّع يحقِّق وحده حجم أعمال يبلغ نحو 50 مليار دولار في جميع المجالات، ويعمل فيه مليون شخص من بينهم 800 ألف في أوروبا. ولعل القارئ يتفاجأ من كمية المعلومات في الكتاب والصحف العالمية المرموقة، حتى إن الكتاب يكشف كيف أن المستشار الذي يعمل في وزارة الدفاع الأمريكية هو نفسه الذي يملك شركة خاصة تقود الحرب ضد الإرهاب، حيث يعدّ مستشاراً في الصباح ومقاول حرب في المساء. هذه، غير نوعية شركات من طراز آخر؛ مثل مجموعة كلاريل للإنشاءات التي كان يرأس مجلس إدارتها الرئيس بوش الأب حتى فترة قريبة، وتضم في مجلس إدارتها جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا السابق، وفرانك كرلوتشي وزير الدفاع السابق، ورئيس وزراء بريطانيا السابق جون ميجور، وهي الشركة التي حصلت على أكبر عقود للإنشاءات والتعمير في أفغانستان وكذا في العراق. مصطلح ما يُعرف بصناعة (الجيوش الخاصة) داخل الولايات المتحدة الذي بدأ ينتعش مع ما يُسمَّى الحرب على الإرهاب حقَّق أكثر من مائة مليار دولار بعد أن بدأ تخصيص القوات العسكرية الأمريكية عام 1991م عقب حرب الخليج الأولى مباشرةً من قبل وزير الدفاع الأمريكي ونائب الرئيس الحالي (ديك تشيني)، وذلك عبر التعاقد مع الشركات العسكرية الخاصة على أداء جزء كبير جداً من المهام التي يجب أن تتولاها القوات المسلحة في الجيش الأمريكي وتتعدى تلك المهام النمطية والتقليدية؛ مثل حماية مسؤولين وحراسة آبار البترول، وغيرها من الشركات الخاصة إلى القيام بأعمال متخصصة تعد من صميم عمل وزارة الدفاع؛ مثل مراقبة الحدود والأمن الداخلي والإشراف على جلسات الاستجواب وكتابة المحاضر وكذلك القيام بمهام تجميع الجثث وحتى أعمال التدريبات العسكرية التي منها تدريب الكتائب الخاصة (فرق الموت)، حتى إن كبار الضباط النظاميين بالجيش الأمريكي أصبحوا مستائين غاية الاستياء من وجود المرتزقة في الجيش الأمريكي وما يتبعه من تواجد مقاولي الحرب في الثكنات العسكرية والقواعد العسكرية وعدم خضوعهم لاتفاقية جنيف. وفي هذا السياق كشف المحلل العسكري سينجر مؤلف كتاب (مقاتلو الشركات) أنه تم توظيف ما يقرب من 100 ألف مليون دولار أمريكي (أي ما يقارب مائة مليار دولار) في تجارة تلك الجيوش الخاصة في العالم في صفقات دولية متعددة الجنسيات تعمل في أكثر من 50 دولة حول العالم، ومن أبرزها الدول التي تشنّ عليها الولايات المتحدة حروباً ضد الإرهاب. وبحسب ما جاء في الكتاب يوجد داخل الولايات المتحدة على أقل تقدير 30 شركة عالمية خاصة متعددة الجنسيات متخصصة في تقديم الخدمات العسكرية والأمنية الخاصة ومعروفة في القطاع الخاص الأمريكي، ويتخصص نشاطها في مكافحة الإرهاب؛ مثل شركة (بلاكووتر يو إس إيه). وتحظى شركات تجارية أخرى؛ مثل شركة هاليبورتون، بمقدار لا بأس به من الصفقات أو ما يُعرف بمقاولة الحروب من الباطن في كلّ من العراق أو أفغانستان أو حتى غيرهما من الدول التي تخضع لقانون العرض والطلب في عالم الحروب وإن كانت ضد الإرهاب. وليس من المبالغة القول: إن المعلومات والأرقام في الكتاب فاجأتني، وبخاصة أنني كنت أتصور أن القوات المسلحة الأمريكية مثل بقية جيوش العالم تقوم بكل شيء بنفسها حتى طهي الطعام وتقشير البطاطس وتقطيع البصل داخل المطبخ وغسل الأطباق ومسح البلاط وغسل الملابس، غير أنه اتّضح أنها لا تقوم حتى بالأعمال الرئيسة. وأثر الكتاب سوف يكون كبيراً على القارئ، وخصوصاً أنه يظهر أن الحرب على الإرهاب تضم كذلك صفقات ومناقصات ومرتزقة على جبهات القتال وفي القواعد العسكرية، الأمر الذي يصيب بالصدمة المعلوماتية!! وبخاصة أن البنتاجون يستخدم ما يقارب 700.000 متعاقد من هذه الشركات الخاصة، حيث تدرّ صناعة الخصخصة العسكرية ربحاً سنوياً هائلاً بمليارات الدولارات نتيجة العمليات العسكرية الأمريكية في نحو 50 دولة. وليس مبالغاً فيه القول: إن العديد من هؤلاء المرتزقة لا يحملون حتى الجنسية الأمريكية، ووعدهم البنتاجون رسمياً بإعطائهم الجنسية عندما يعودون إلى الولايات المتحدة!! هذا إذا عادوا بالفعل. موضوع الكتاب وغيره من التحقيقات الصحافية ما زال قائماً حتى الآن في الصحف الأمريكية، وكذا البريطانية، حتى إن صحيفة رصينة مثل الغاردين البريطانية كانت قد نشرت العديد من التحقيقات حول ذلك الموضوع غير بيانات حقوق الإنسان والصليب الأحمر المتواصلة التي تستنكر الظاهرة، كل ذلك وأكثر لم يحرِّك ساكناً عند المتحدث باسم البيت الأبيض أو البنتاجون لوقف برنامج تخصيص القوات المسلحة الذي يمكن أن يغيِّر صورة الجيش العظيم الذي لا يُقهر ويُتصوَّر بعد تلك المعلومات أنه مجرد خيال سينمائي ساهمت هوليود في الترويج له عبر صناعة السينما الأمريكية!! وبخاصة أن مقابلات محطة CNN الفضائية المتعددة مع الجنود الأمريكيين كشفت للمشاهد أينما كان في العالم أن الجندي الأمريكي لا يملك عقيدة قتالية قوية تدفعه إلى التضحية بحياته، غير أنني لم أتصور أن غالبية مَن شاهدتهم من الجنود من خلف الشاشات كانوا مرتزقةً يحملون بنادق مؤجَّرة، وأن الجيش الأمريكي جيش متعدد الأجناس أكثر منه جيش نظامي وطني؛ حيث الطوائف والقوميات والمرتزقة والطامحون في الحصول على الجنسية الأمريكية أو الورق الأخضر (الدولارات)!!. ومع أنني لا أتصور أن أتلقَّى رداً أو حتى توضيحاً من المتحدث الرسمي باسم البنتاجون (حتى وإن عبرت مقالتي القارات وتُرجمت له) عن حقيقة ما نشر وما زال يُنشر حول استمرارية برامج خصخصة القوات المسلحة في الجيش الأمريكي سواء في الكتاب السابق أو في الصحف الأمريكية. وقطعاً لم يبقَ للتذكير سوى أن الولايات المتحدة ليست من بين الدول الموقِّعة على الاتفاقية الدولية المناهضة للتجنيد والتمويل وتدريب المرتزقة التي أُقرَّت من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 4 ديسمبر 1989م، وعليه فمن المؤكد أن البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) سوف تمضي في تخصيص القوات المسلحة الأمريكية، ومَن يدري قد يُطرح قريباً جهاز الاستخبارات الأمريكية CIA للتخصيص أيضاً، فكل شيء أصبح جائزاً وممكناً!!
nada@journalist.com |
|
|
| |
|