| |
(لحظة شرود)
|
|
ما أجمل لحظات الشرود في سكون الليل وسنا القمر، لحظات السكينة وهدوء الذات، ما أجمل لحظات تحيا فيها نفسك لنفسك، يمر بك شريط الذكريات، فيجول بخاطرك كل أحداث الماضى بحلوه ومره فيسرد أحداثاً رغبتها وأخرى رغبت عنها، فتجدك باسماً أو عابثاً، وقد لا يفصل بين لحظاتهما سوى برهات لا تكاد تحسها، فإذا بك تستقر عند نقاط محددة ... تدعو فيها ذلك الطيف العطر الذى يحمل في ثناياه أحداث وجودك ويخفى في طياته أسرارك ... أن يهدئ من روعه لحظات لهذه اللحظة التى تمثل إليك حياة لا يحسها سوى من يحياها ... ولا يتذوّقها سوى المنغمر فيها، علّها تمثِّل إليك الأمل أو الرغبة، لحظة فيها عبرة ورهبة، حكمة وحبكة، علّك تحياها في طيفك كما كانت بواقعك ... وعلّك تذوقها مرات في حلمك اليقظ أو تحسها أكثر ... وعلّك تتمناها مرات ومرات، فإذا ما انتهيت من تلك اللحظات شعرت بألم مرورها ولا يسلوك فيها غير أنّها حلوة، وعلّك تمنيت أن ترى نفسك تحياها وتدعو الزمن أن يتوقف لترغبها كل ما تحيا، وعظيم ما ترغب فإذا ما دعتك نفسك أن دوامها محال ولكل نقاطه ... ونبرات الهدوء حدوده .... وأوتار العشق أركانه تجدك تفيق من حياة اللاإرادة، فناجيت القمر في ظلمة الليل عبر شعاع برّاق أرسله إليك لتخطره أسرارك فتجدك بفكرك عاشقاً، عابثاً، عاصياً، متمرداً تتحكم فيك لحظات الرغبة والرهبة، المرج والهدوء الحكمة والطيش حتى تستدعي ذلك الطيف الذي لبى لحظة رغبتك حتى إذا ما تتابعت فيه الأحداث لحاقاً عادت إليك لحظات التقلُّب بما تعكسه أحداث طيفك على سماتك .. فعساها لحظة لا ترغبها فلا تكاد تمر حتى تشعر المرارة والألم، وتبعث فيك الاضطراب والمجون، وقد تصل بك إلى يم من التمرُّد والعصيان، حتى إذا ما بدت تجدك تنفرها تعاند طيفك تلتمس منه أن يخفف عنك، أن يعبر بك تلك اللحظة التي لا تكاد تحتمل أول لحظات مرورها، فإذا بك تحياها رغماً عنك حتى تمر بك، فإذا ما استطعت انتصرت على لحظاتها بتمرد الرغبة وإذا تغلّبت عليك عبرت بك إلى العصيان في أقصى درجاته، فتجدك تعاند تلك اللحظة، وتقف على حروف أخطائك فيها للتعلم كيف تمر بك او كيف تمر بها ? فلا عيب أن نخطئ ? وعساها عبرة تعلمنا كيف بها نصبو إلى لحظة داعبنا فيها نجوم السماء ... ووصلت بنا حدود الكون وإرجاء الوجود، فهب نفسك تحيا بين إجرام السماء تعبر بينها عبر أشعة ذهبية، تحملك فلا تحس سوى حياة افلاطونية غريبة، تتحسسها وكأنّك أول من تحياها وآخر من يحياها، فلا يحسها غيرك، حتى إذا ما أفاقتك اللحظة من غفلة الشرود وحديث القمر، تجدك تحيا ما بين الجد والهزل، ما بين الشدة واللين، لحظات الأمل واللاأمل، الرغبة والرهبة، العناد واللاعناد، العصيان والرضا، حتى إذا ما شعرت كما البشر في كلِّ حالاتهم وجدتك تفيق من ماضيك، لتحيا واقعك لتودع القمر وتدعوه للقاء آخر .. قد يكون بعيداً كأقصى ما يكون البعد أو قريباً كأقصى ما يكون القرب، حتى إذا ما فرغت لنفسك تجدك قد حييت لحظة أخرى ما بين الوجود واللاوجود، ما بين الواقع والخيال، اليقظة والغفلة، الحلم والحقيقة. ولكنها الواقع الذي نحيا والدنيا التي كانت لنا فيها حياة طالت مهما طالت، فهي لحظات نحياها بكلِّ شاكلة ولون، حتى تأتينا بآخر ما فيها لنا، إلاّ أننا فيها حيينا لحظات ...
ناصر بن صالح الجربوع/ إمارة منطقة القصيم
|
|
|
| |
|