| |
التطرُّف ينال من سماحة الإسلام ويضعف من تأثير الدعوة (3-6) حمد عبد الرحمن المانع
|
|
ومن أبرز المحاور التي ينبغي التطرُّق لها في هذا السياق: 1- تعزيز الثقة بالمولى عز وجل: مما لا شك فيه أن الإيمان يعد الطاقة الجبارة لضخ الثقة، ويندرج في هذا الإطار التوكل عليه والاعتماد عليه، أي أنّ العلاقة المتجذرة في القلب، يصادق عليها العقل بالتسليم المطلق لكلام رب العزة والجلال والأحاديث النبوية الشريفة، ولما كان الخيار متروكاً لمن بلغته الرسالة على النحو الصحيح بدون مبالغة أو تزييف، فإنّما ذلك نابع من قوة التأثير الذي تتسم به هذه العقيدة، متى ما لامست الوجدان واستشعرها العقل بآفاقه المتسعة للبحث عن الأجوبة المحيرة، وهي لن تغدو كذلك إذ إنّ تحديد نطاق البحث احتوته الأجوبة المقنعة والشافية والمزيلة للشكوك التي ما فتئت ترهق العقول وتسبح بها في أتون التحليلات التي تغوص في الاستنتاجات التقديرية وفقاً لنيل قليل من العلم وسيطرة الغرور المعرفي، والزج بهذا القليل لاستقطاب الميول اللاهث نحو استجداء الفرضيات بمنطق العلم بالشيء، ببعض الشيء، كما قال عز وجل: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}. وقال عز من قائل: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا}، ولئن وهب المولى قليلاً من العلم لهؤلاء أو أولئك إنما كان لحكمة أرادها سبحانه. وطالما كان المؤمن يتكئ على هذه القاعدة الصلبة المتماسكة، فلماذا لا يكون التعاطي بقوة القناعة بهذا الصدد؟ ولماذا التوجس من قدرة هذه القوة في النفاذ إلى العقول والقلوب؟ فإذا كانت قوة الإيمان جسّدتها الصيغة التي بلغت بها هذه القمم فلمَ لا تكون هذه الصيغة هي المنطلق لأداء هذا الواجب، والتشرف بهذا العمل الطيب المبارك بما يرضي رب العزة والجلال، واقتداء بسُنّة سيد البشر عليه أفضل الصلاة والتسليم في دعوته وآثارها وأبعادها المعرفية المفعمة بالدلالات العميقة ومخاطبة المستويات المختلفة للعقول، فيعلم الأعرابي لكيفية الصلاة في أعلى مستويات الأدب الجم. 2) الحساسية المفرطة تجاه الآراء المخالفة: يشكِّل الاقتناع، ذروة التصديق بالمعتقد على يقين ثابت لا يدع مجالاً للشك ولا يترك للهواجس المتناثرة أن تضعف من صلابة الإيمان الخالص، وكما أنّ الاقتناع موجب للأخذ بالآراء الصائبة المنبثقة من حيثيات الإقناع المعزز لهذه الرؤى، وتمكينها من الرسوخ والاستقرار بشكل يؤازر سبل الدعوة لدين الله بالأطر الصائبة، فإنّ قبول الآراء المخالفة وبلورتها وفقاً للبيئة الرحبة التي تتسع للقبول وإعادتها بشكل ملائم مدعمة بالحجج الدالة والبراهين اللامعة لسلامة الموقف، له أبلغ الأثر في احتواء الاختلافات التي تنجم إمّا عن جهل أو غفلة، أو قلة دراية وإدراك لتبعاتها، والإحاطة بملابساتها، وتصويبها، ينم عن قوة استقرار الفكر المؤصل للصح والأصلح والأجدر أن يؤخذ، وقد تتطلّب مرحلة التصحيح والتصويب جُهداً ووقتاً إلاّ أنّ ذلك لا ريب يؤسس للصبر الذي أمرنا الله تعالى بالتحلِّي به، وفي مجال الدعوة تحديداً، فرحابة الصدر لا تلبث أن تحيط المتلقي بعمق وغزارة المعاني والمفاهيم، التي يترتب على ضوئها السير في الاتجاه الصحيح، وصبر نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام على إبلاغ وإتمام الرسالة الخالدة يُعد مرتكزاً رئيساً وأثراً بليغاً في النهج على نهجه، والتأسِّي بسنّته بأبي هو وأمي، وحينما يبسط التشنُّج وضيق الصدر أواصره في هذا المجال، فإنّ هذا مدعاة للنفور والابتعاد، فالكسب الحقيقي يكمن في الإضافات المتتالية والإضاءات المتواترة، فهو - أي المخالف - بحاجة إليك كما أنت بحاجة إليه، فحاجته تنحصر في قلّة فهم وإدراك، وحاجتك في أداء الأمانة الملقاة على عاتقك بكلِّ ما تعنيه المسؤولية الأدبية تجاه دينك، والابتعاد عن الاستئثار من كتمان للعلم بحجة الرعونة في المجادلة وما شابه ذلك، فالجهل أرعن، واستيعاب إرهاصاته توجب مزيداً من التحمل في هذا الإطار، فيجب أن يرافق اللين النصيحة في الحل والترحال، مع المسلم وغيره، قال تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}ويجدر التنويه إلى نقطة من الأهمية بمكان، ألا وهي اجتناب التناقض كأن يفعل المرء خلاف ما يقول، وينصح به، وهذه من أخطر المؤثرات إن لم تكن أخطرها، وانطلاقاً في هذا الاتجاه فإنّ البساطة في الطرح، والتيسير في الشرح لا يقل أهمية من حيث الاتكاء على الأساليب المؤدية لبلوغ الهدف، ومن ذلك إبراز أنّ الخطأ وارد في كلِّ زمان، غير أنّ العبرة تتجلّى في توخِّي الحذر من الوقوع في المحظور، والاستدراك بالتوبة والاستغفار، بل إنّ المؤمن دائم الاستغفار، لما يراود نفسه من خلجات تشطح بالفكر وتجنح بالأحاسيس عن غير قصد منه.
|
|
|
| |
|