| |
لبنان والنزول إلى الشارع
|
|
دخلت الأزمة السياسية في لبنان مرحلة جديدة وجدية بعد دعوة المعارضة وفي مقدمتها حزب الله إلى اعتصام مفتوح وسط بيروت من أجل إسقاط الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية كما تطالب أقطاب وقوى المعارضة ومن هم وراءها وهو ما قوبل من جهة الأكثرية اللبنانية وفريق الحكومة بدعوة مماثلة للشعب اللبناني من أجل الدفاع عن الحكومة الشرعية والدستورية والتصدي لمحاولات انقلاب الشارع وتهييجه بالهدوء والالتزام بالسلم، ومع أن المبارزات الخطابية والنفسية والتهديدات من قبل كل فريق بفتح صنبور شارعه قرنت بدعوة لالتزام الهدوء والاعتصام السلمي والابتعاد عن الفوضى والارتجال الغرائزي إلا أن دعاة التظاهر وتسييس الشارع يعلمون خير العلم بأن هذه الدعوات الرومانسية غير كافية لتجنب الأخطار التي قد تجرها دعواتهم التعبوية ومزايداتهم السياسية فالشارع السياسي اللبناني يمر بمرحلة احتقان حادة باتت تهدد سلمه الوطني ومشروع عيشه المشترك ذلك الاحتقان الذي زاد من حدة تعدد الخطابات الأحادية والفردية من قبل الفرقاء اللبنانيين ففي كل يوم يخرج أحد أقطاب الساحة السياسية اللبنانية ليعقد مؤتمراً صحفياً هنا أو يلقي خطاباً جماهيرياً هناك يهدد به تارة ويخون من خلاله الآخرين تارة أخرى ويدعو به لإسقاط الحكومة وتشكيل أخت لها حتى أصبح الشكل العام للبلاد عبارة عن دويلات ولاء ونفوذ يتقاسمها الفرقاء خارج نطاق وإطار فلسفة الدولة الأم لبنان وها هي الأزمة اللبنانية تدخل في عنق الزجاجة من جديد بعد دعوة قوى المعارضة إلى النزول إلى الشارع والاحتكام إليه وتعطيل الحياة العامة للبنانيين لا لشيء سوى لخدمة مصالح فردية أو حزبية باهتة أو من أجل الالتزام بمحاور إقليمية وسياسية باتت الساحة اللبنانية مرتعاً لها ومسرحاً لتصفية صراعاتها السياسية مع جهات دولية أخرى قد يكون التظاهر حقاً ديمقراطياً مشروعاً تكفله الحياة المدنية إلا أن خصوصية الوضع اللبناني وحساسية المرحلة التي يمر بها قد تجعلان من هذا الحق باطلاً ومفتاح أزمة تبتدي وتنتهي بلا غالب أو مغلوب ولا يكون المستفيد منها إلا جهات خارجية معروفة تعج الساحة السياسية في لبنان بعناصرها الاستخباراتية كطابور خامس يلعب ويعزف على الأوتار الحساسة لخدمة مصالحه الوطنية على حساب المصلحة اللبنانية وهذ ما يتطلب من اللبنانيين وقفة صدق مع الذات يُعتمد من خلالها الحوار كمدخل وحيد للخروج من الوضع المتأزم وتُنبذ بها الانقسامات الطائفية ونزعات تسييس الشارع وتطييفه التي أصبحت تشكل ثغرات في جدار الوحدة الوطنية التي لا يمكن ترميمها إلا بالقضاء على أزمة الثقة بين الفرقاء والابتعاد بالشأن اللبناني عن بورصة المزيدات الإقليمية التي لن تقود البلاد إلا إلى مزيد من الفوضى والانقسام والتشرذم في وقت أضحت مسألة طمس هوية الدول وإحداث الفوضى بها وإعادة تشكيلها على نمط خاص مهمة رئيسية ومركزية لبعض القوى الدولية.
|
|
|
| |
|