إن المعلم الناجح هو الذي يستطيع أن يصل إلى قلوب الطلاب بسمته وسلوكه وإخلاصه لكي يتمكن من التأثير بهم ومن ثمَّ يحببهم لمادته.
فالقلب مفتاح العقل قال تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا}الأعراف 179، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}الحج 46، فذكر القلب والعقل لارتباطهم ببعض، كما دلت الأحاديث الشريفة على أهمية القلب، وأنه المحرك الأساس لسائر الجسد، وعلى مداره الصلاح والفساد.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، (فعضو صغير يقوم بعمل كبير، وفيه حياة الإنسان، فالقلب آية من آيات الله تستحق التدبر، فليست العبرة بضخامة الأحجام، وكما قيل المرء بأصغريه قلبه ولسانه).
فمتى أراد المعلم التأثير في عقول الطلاب فلابد من المرور على قلوبهم، ولا فرق بين مرحلة ومرحلة في ذلك فالطلاب سواسية في هذا المجال، وتزداد أهمية الوصول إلى قلوب الطلاب في بدايات التعليم أثناء المراحل الأولى منه، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة فقد ملك قلوب أصحابه بعطفه وإحسانه وشفقته قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران 159، فالعقل الذي نريد أن نصل إليه هو مكمن القوة عند الشخص وعند الأمة التي تريد التمكين، وبه يتم التمييز بين الخير والشر، وبه يتم التفكير والإبداع، ومتى ما استغل وغذِّي بالنافع من المعلومات تمت الفائدة منه، ومتى سلبت منه خصائصه، بالإهمال، وبالتغذية الفاسدة، أصبح عالة على صاحبه وعلى الآخرين.
ومن هذا المنطلق فالمعلم الناجح هو من يملك جاذبية خفية يستطيع بها التأثير على سلوك الطلاب (معلم مغناطيسي)، فالمعلم الذي يصل إلى قلب الطالب قد سلك الطريق إلى عقله، وملكه دون عناء ومشقة، وهذا ما نلاحظه على أرض الواقع، فبعض الطلاب تجد فيه حباً لمادةٍ ما، ويفرح بمذاكرتها، ويبدع فيها، ويسهل عليه فهمها ولا يشتكي من صعوبتها، ويترقب بكل شغف وقتها وحضور حصتها، وليس ذلك لذات المادة ولكن لحب الطالب لمعلم المادة، ومتى لم يتقبل الطالب معلم المادة فسيجد الطالب صعوبة في فهمها، وكثير ممن وجد لديهم مشكلة في عدم استيعاب معلومات المادة والشكوى من صعوبتها وجد أن من أهم الأسباب عدم قبول الطالب لمعلم المادة، فمتى أحب الطالب شيئا حرص عليه وأبدع فيه واجتهد في إتقانه وطلب المزيد منه، (ولا اقصد أن سبب الضعف لدى شريحة من الطلاب في بعض المواد هوالمعلم، فنرمي الكرة في مرماه زاعمين أنه السبب الوحيد في ضعفهم، بل يمكن أن نزعم أنه من أهم الأسباب) فمتى تم القبول تلاشت كثير من المشكلات، وقلت شكوى المعلمين وتذمرهم من ضعف بعض الطلاب، ولقد شاهدنا من بعض الطلاب من كان ضعيفا في مادة ما، وعنده عقدة منها فلما بدِّل المعلم تغير وضع الطالب إلى الأفضل وحسنت حالته مع المادة، وربما أبدع فيها.
لذا كان من صفات المعلم الناجح إنشاء علاقة، وجسور تربط بينه وبين طلابه يسودها الحب والمودة والحرص لكي يصل إلى قلوب الطلاب ومن ثمَّ إلى عقولهم، فمن المعلوم أن الطلاب ليسوا سواء في ميولهم ودوافعهم ورغباتهم وإدراكهم، فالقلوب كالأبواب، وكل باب له مفتاح خاص به والقلوب كذلك، لكل قلب طريقة خاصة للوصول إليه، وهذا مما يزيد العبء والمسؤولية على المعلم في كيفية الوصول إلى قلوب الطلاب، والمبدع الناجح من المعلمين من يحمل معه مجموعة من المفاتيح.
ولعل من أهم ما يجب على المعلم اتباعه والاهتمام به للوصول إلى قلوب الطلاب ما يلي:
1- الإخلاص، وبه تذلل جميع العقبات، وينال به أجر الدارين: الدنيا والآخرة، ويرى أثره ونتيجته على سلوك الطلاب.
2- القدوة الحسنة، فكم من معلم يُربّي ويُعلّم بأفعاله وسلوكه وسمته قبل قوله.
3- الرفق والشفقة وتفقد أحوال الطلاب، واحترام مشاعرهم وذواتهم، قال صلى الله عليه وسلم (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما خرج من شيء إلا شأنه).
4- البعد عن العنف، والغضب، وضبط النفس والسيطرة عليها والحفاظ على هدوئها، فيكون الحزم بلا عنف، والرفق بلا ضعف.
5- معرفة خصائص النمو، وما يميز كل مرحلة ويخصها من التغيرات الجسمية والنفسية والاجتماعية والانفعالية.
6- التمكن من الناحية العلمية، والعناية بالوسائل المعينة على إيصال المعلومة بيسر وجاذبية.
7- البعد عن كثرة العتاب والنقد اللاذع وجرح المشاعر، ومعاملة الطلاب بمثل ما يحب المعلم أن يعاملوه قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
8- العدل بين الطلاب، والاستماع لهم، ورحابة الصدر، والإحسان إليهم قال الشاعر: