أشلاء ممزقة هنا وهناك، وجثث متعفنة متناثرة، ومستنقعات وبرك من الدماء المتجلّطة، وأجساد معاقة متهالكة، وأعضاء مبتورة، وصيحات تعلو بالويل والثبور.
لوحة قاتمة تثير الانقباض والاشمئزاز والغثيان والنفور، لوحة تشم منها رائحة العفن والخيانة وظلم الإنسان لأخيه الإنسان من خلال التناحر والتطاحن، وكأن الدنيا لا تسع إلا لأحدهما دون الآخر.
إنها لوحة الدمار والهلاك لكل شيء، ولكل نبض، واغتيال للحياة، وخنق للجمال، نراها تتكرر في ثلاثة أوطان إسلامية عزيزة على قلوبنا جميعاً وهي: العراق والصومال وأفغانستان، وما زال المشهد يتكرر كل يوم بل كل ساعة ودقيقة.
ما سبب كل ذلك؟ وكيف بدأت تلك الفتن الدامية؟ ولماذا لم تتوقف حتى الآن؟ وما القاسم المشترك بينها؟؟! إنها فتنة الخروج على الحاكم التي تبدأ بآمال كاذبة وأحلام إصلاحية واهية، ووعود براقة واهمة، تذهب كلها أدراج الرياح العاتية التي تأكل الأخضر واليابس، ولا تترك إلا خراباً يباباً يعم الجميع الطامع منهم والبريء، فالعقوبة لا تستثني أحداً.
والإسلام التشريع الحكيم لم يحرِّم شيئاً إلا لحكمة عميقة ذات مدلولات بعيدة، لذا فقد حرم تحريماً واضحاً الخروج على ولي الأمر، ليس مراعاة لمصلحة هذا الفرد أو ذاك، إنما لمصلحة عموم المسلمين والمسلمات حفظاً لأعراضهم وحقناً لدمائهم، وحماية لمصالحهم، وتثبيتاً لاستقرارهم، ودفعاً لطمع الطامعين من أعدائهم.
والشواهد المعاصرة الحية التي أمامنا تثبت صدق هذا القول، فالصومال خير شاهد على حماقة الخروج على الحاكم، فالمعترضون على حكم (سياد بري) دفعوا الثمن غالياً من أرواحهم ودمائهم وأعراضهم وحولوا البلاد إلى قطيع وحشي يأكل بعضه بعضاً لأنهم لم يعودوا يجدون ما يأكلونه في وسط بلاد تنضح بالخيرات المتعددة التي أحرقتها أطماع أفراد متهورين، فأضحى الصومال البلد المسلم المستقر مجرد لوحة كئيبة تغشاها أشباح الجائعين الذين تنهمر الدموع سيّالة عند رؤيتهم وتتفطر الأفئدة رحمة بهم!!
وقبل الصومال أفغانستان البلد الذي يفوح بعبق التاريخ الجميل وأساطيره العظيمة، فأصبح الآن مجرد صحراء موحشة تتناثر بها الأكواخ المتباعدة التي تقطنها الأشباح والأرامل واليتامى والمعاقون، وكان مبدأ ذلك خروج بعضهم على ملكهم - آنذاك - (طاهر شاه)، فمنذ ذلك الوقت صاحت الصيحة في ديارهم وانفرط عقد أمنهم ووحدتهم، وطمع الأجنبي فيهم سابقاً ولاحقاً.
والآن العراق الذي صار واقع أهله يتلاءم مع قول القائل: