| |
محاضرة المالك عن حلب فيها الجوهر وبيت القصيد
|
|
لم تكن المحاضرة التي ألقاها الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة السعودية وكانت بعنوان (حلب بين الأصالة والمعاصرة) ونشرتها صحيفة الجزيرة عرضاً لما كانت عليه حلب في سابق عهدها، وكيف كانت أيام سيف الدولة وكيف رآها الرحالة العرب والأجانب، وكيف انطبقت عليها معايير منظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمة العربية للثقافة والتاريخ والعلوم.... الخ، وإنما جاءت هذه المحاضرة مع قليل من الاستطراد في مزايا المدينة ونشأتها ومعالمها الأثرية وموقعها التجاري، وما أبدعه أبناؤها في المجالات الثقافية والعمرانية والتاريخية، والتآخي الذي يلف أبناءها واتساع رقعة التنوع الحضاري في إطار الحضارة الإسلامية، ليكون هناك تساؤلات عديدة أولها: من أين يبدأ الدارس لهذه المدينة ومتى سينتهي وأين؟ وليكون الإبحار في الدراسات التي قدمت هذه المدينة بكل وجوهها نوعاً من المتعة والاستزادة من المعارف، وهنا جوهر المحاضرة ويظهر انعكاس وجوه هذا الجوهر فيما أكده الأستاذ المالك بأن القراءة عن حلب مناسبة وفرصة لأولئك الغيورين لبذل الجهد للتعريف بمدينتهم، بأن يُظهر الجميع استعدادهم للمساهمة في إبراز هذا الجانب والسعي لفتح قنوات لترغيب الناس للقراءة عنها ليكون الاهتمام بها متقداً ومستمراً، وقد استشعر الباحث (المالك) في داخله هذه المسؤولية الملقاة ليس على عاتق أهل حلب وحسب وإنما على كل محبيها، إذ وجد نفسه - وهو زائر لها وكاتب عنها وقارئ لها - مستمتعاً بشيء من تاريخ عطر أمته، فلم يجد نفسه غريباً وإنما واحد من أهلها، لذلك طالب بالحفاظ على كل معلم أثري بها من دون الاستهانة بهذا التاريخ الثر الذي لا تزال رائحته تتضوع في أرجائها. ولئن قرأ الأستاذ المالك في كتاب يرجع إلى نصف قرن تقريباً كتبه الدكتور طلس عن مدينة حلب، مشيراً فيه إلى بعض الآثار التي بدلت وأضحت مهملة حيث يسكنها الفقراء ويبنون فيها ما يشوه جمالها، وأن البعض الآخر من تلك الآثار قد حول إلى غير وظيفته الأصلية، فإنه بهذا قد أصاب الهدف وكأنه يرى المدينة بعينيه متجولاً في تلك الآثار التي أضحت دوارس، وهنا يلمع برق آخر في هذه المحاضرة يكمن في إشارته إلى أهمية صيانة معالمها الأثرية إذ لا يليق أن تُعامل بغير الحرص عليها للحفاظ على شخصيتها ومكانتها. أما السكون الذي ربما يسبق العاصفة فهو في إشارته إلى صحافة هذه المدينة ليؤكد أنها كانت السباقة في اقتحامها هذا الميدان حين أنشئت فيها أول مطبعة في الشرق بأكمله، وأن أكثر من 100 صحيفة كانت تصدر فيها في القرن الماضي، وجميعها كانت في خدمة الثقافة والفكر، وكانت الصحافة لسان حال الأمة للتصدي لأعداء الأمة، وهنا يقف للسؤال: أين ذلك الاهتمام بما يجري اليوم؟!!. أما الأمر الآخر والمهم الذي أشار إليه ببنانه فهو دعوته إلى تكريم رموز هذه المدينة ونوابغها وأعلامها وشعرائها وأدبائها ومثقفيها وعلمائها وأطبائها ممن قدموا لحلب ما جادت به عقولهم من ابتكارات وإبداعات، وكذلك تكريم مَنْ كتب عنها واشتغل عليها من غير أهلها، تكريماً يبقى خالداً وشاهداً ودليلاً على وفائها. لقد تحدث رئيس تحرير صحيفة الجزيرة عن كل شيء في حلب لا ليذكرنا بماضيها العريق وتاريخها التليد وأوابدها الشامخة أبد الزمن، وإنما ليسأل في ختام محاضرته: أين موقع حلب اليوم بين الأصالة والمعاصرة، وهنا جوهر القصيد.
بيانكا ماضية رئيس القسم الثقافي في جريدة الجماهير بحلب.
|
|
|
| |
|