| |
بالكلمة صاغ فكراً وبالإرادة هو عملاق د.عبدالمحسن عبدالله التويجري
|
|
(حياة قلم) عنوان اختاره المفكر الكبير الأستاذ عباس العقاد لجزئه الثاني من مقالات كتبها قبل وفاته بشهر، واستبدل هذا العنوان بعد وفاته بعنوان آخر اختاره وأصدره في كتاب - بعد جمع مادته - الأستاذ طاهر الطحاوي بعنوان (أنا) والكتاب يتناول الجانب الشخصي والنفسي من حياة المرحوم الاستاذ العقاد. ويروي الطحاوي أن العقاد قد كتب في مجال أدب السيرة أو عنها مقالات منها (وحي الأربعين) و(وحي الخمسين)، وجميعها ذات طابع موضوعي بجانب الطابع الشخصي، وفيما كتب اختلافا عن المعتاد حين كتابة شيء عن حياة الإنسان كالتراجم وسيرة الحياة، فالأستاذ العقاد بجانب الطابع الشخصي فيما كتب يتطرق إلى مواضيع عدة فكرية ونفسية وعلمية أكسبت ما كتب جديد المنهاج حين تمتزج الافكار العامة والتحليل بشيء من الحياة الشخصية. وبعد أن تجاوز أستاذنا العقاد عمر الخمسين، وبالتحديد حين بلغ السابعة والخمسين رسم الخطوط العامة لكتاب أراد له عنوان (عني). وكما قال العقاد نفسه: إنه سيعدّ الكتاب من خلال ما هو خاص يتطرق لحياته، كنشأته وتربيته الفكرية وآماله وأهدافه، وما تأثر به من بيئة وأساتذة وأصدقاء وانطباعات نفسية تشمل إيمانه ومبادئه يؤمن بها، أو كما قال: (عباس العقاد الإنسان الذي أعرفه أنا وحدي لا عباس العقاد كما يعرفه الناس، ولا عباس العقاد كما خلقه الله). وأن يكون الجانب الثاني من الكتاب عن حياته الأدبية والاجتماعية المتصلة بمن حوله من الناس والأحداث التي مرّ بها ومعاركه معها. ومن خلال حوار له مع الطحاوي استقرّ على أن يبدأ بالجانب الأول الذي قال عنه: (الخاص بحياته كما يراها بنفسه) واقترح أن يكون العنوان (أنا) الذي استمده الطحاوي حين جمع مادة الكتاب المعنون ب(أنا). وكتاب (أنا) تم إعداده وفق ما أراد العقاد إلى حد كبير حيث تطرق إلى جوانب كان يفكر فيها، وأن يكون الأساس للكتاب، ومن هنا وهناك، وما بين دفتي الكتاب نركز على البعض بالإشارة مرة، وبما هو أبعد في مواضع أخرى. ومن هذا أنه سئل عن حبه للحياة فقال وهو يؤكد ذلك: (أن الفرق في عمري هذا (سبعون عاماً) ليس في حبي للحياة ولكن أسباب حبي لها)، ولخص أمره مع الحياة بقوله: (كنت أحب الحياة كعشيقة تخدعني بزينتها الكاذبة وزينتها الصادقة، وأصبحت أحبها كزوجة أعرف عيوبها وتعرف عيوبي لا أجهل ما تبديه من زينة وما تخفيه من قبح). ثم عبر عن ذلك بأبيات شعرية يقول فيها: قالوا الحياة (قشورا) قلنا فأين الصميم قالوا (شقاء) فقلنا نعم فأين النعيم إن الحياة حياة ففارقوا أو أقيموا ومن كتاب (أنا: إشارة إلى ما يريد، هل بلغ كل ما أراد؟ وبالإيضاح يقول: (لم أبلغ من الحياة كل ما أريد ولا أرى أن أحداً بلغ ما طلب، وكل طموح أو رغبة وجدتها تتبلور في حبي للأدب) ويحسم الأمر بقوله: (إذا قدرت ما أصبو إليه مائة في المائة فالذي بلغته لا يتجاوز العشرين أو الثلاثين). وقد نستشف رؤية له في الناس لها تفاصيل، وفيما قال به ضمناً قد يختصر الكثير منها حيث قال: (أعتقد أن (نابليون) مهرج إلى جانب العالم (باستور) و(الإسكندر المقدوني) بهلوان إلى جانب (أرشميدس). وعن فلسفته في الحياة ومع الناس فشعارها كما يؤكد ذلك في نفسه: (ألا تنتظر منهم كثيراً ولا تطمع منهم في كثير)، ويقابل ذلك اقتناعه بأن غناه في نفسه وقيمته في عمله، وأن بواعثه أحرى بالعناية من غاياته. وعن العزلة فهو ميال لها وللانفراد بنفسه إن لم يكن انطواء ولقد كتب عن هذا يقول: (أعترف أنني مطبوع على الانطواء ولكنني مع هذا خال- بحمد الله- من العقد النفسية الشائعة بين الكثيرين من أندادي في السن ونظائري في العمل.. الخ) وعن إيمان العقاد فقد كان مؤمناً بالله كل الإيمان لا عن وراثة فقط بل عن شعور وتأمل وتفكير طويل وعن هذا فقد كتب في أكثر من كتاب. العقاد والحب، أما عن علاقته بالحب فهي وطيدة، وقد جسد ذلك في قصته مع الفتاة (سارة)، وهو اسم مستعار لفتاة أحبها بكل جوارحه واستمر هذا الحب سنوات حتى صُدم في حبه من جانب محبوبته فكان الفراق، وقد بكى العقاد بحسرة وألم وهو يردّ ذكرياتها عنده في إحدى حدائق مصر الجديدة على مرأى من صديق قريب وأخلص أصدقائه. ولم يكن بكاؤه أسفا عليها ولكن العقاد كان شديد الحساسية سريع البكاء، والمرجح من الآراء أن أقوى الرجال أسرعهم إلى التأثر والبكاء، ونحن في مجال الحب نشير إلى علاقة حب عاشها مع الآنسة الأديبة (مي زيادة)، ويؤكد الأستاذ العقاد أن حبه للآنسة (مي) كان حباً روحياً، وقد أشار إلى ذلك في آخر كتابه (سارة) وأسماها) (هند). العقاد والتنبؤ بالموت، ليس تنبؤا بقدر ما هو رد فعل لعميق حبه للحياة حيث قال للاستاذ الطحاوي: (إن الابن يأخذ متوسط عمري أبيه وأمه، وقد تنتهي حياتي قبل الثمانين وابتسم وقال: إذا فاجأني الموت في وقت من الأوقات فإنني أصافحه ولا أخافه بقدر ما أخاف المرض فهو ضعف، والضعف شر من الموت)، وتمثل بأبيات من الشعر: ستغرب شمس هذا العمر يوماً ويغمد ناظري ليل الحمام فهل يسري إلى قبري خيال من الدنيا بأبناء الأنام خلعت اسمي على الدنيا ورسمي فما أبكى رحيلي أو مقامي الكتابة من حول العقاد قبل أن تكون عنه يسبقها ويلازمها وقفة إجلال وتقدير واستسلام لقدرة الحق عز وجل؛ فكل شيء خلق آية من آياته تجسد قدرته حيث يضعها وفق مشيئته بالقدر المقدر، وهذا لا يضيف، ولا يؤكد مؤكدا أنه سياق وانسياق متصل تدفقه فكل ما خلق سبحانه محط تأمل وتفكر، ومن الأمنيات ألا تحمل أجسادنا إلى مثواها الأخير بجماجم لا تستحق الدفن.
|
|
|
| |
|