| |
لبنان على أعتاب حرب أهلية.. نعم الإعلام التعبوي والتحريضي في المشهد اللبناني د. علي بن شويل القرني
|
|
يبدو أن الأحداث بدأت تتحرك نحو مناخات تشنُّج ومواقف عدائية ومواقف مضادة وأفعال وأفعال مضادة.. وهذا السيناريو - إذا استمر بهذا الزخم - فهو بلا شك سيؤدي إلى تهيئة إجبارية لحرب أهلية لا قدّر الله في لبنان الشقيق.. فمقتل بيير الجميل، وما قد يستدعيه من مواقف تتابعية في نفس الخط، أو مواقف انتقامية وما قد يتلوها من مواقف ردّية.. سيمهد الطريق لدخول جميع الأطراف نحو هاوية الحرب الأهلية الثانية في لبنان.. ومن يتابع مضامين وسائل الإعلام اللبنانية التي تمثّل مختلف أطياف اللون السياسي سيلاحظ أنها مواقف متشنّجة، وعدائية، وتحريضية إلى أبعد حال.. وجميع فئات الإعلام اللبناني المطبوع والمسموع والمرئي تبتعد كثيراً عن الموضوعية المعتادة في التاريخ اللبناني في طرحها عن المشكلة اللبنانية، بل هي تدفع بالأنصار والمؤيدين والموالين والمتعاطفين إلى أن يقفوا في جانب، ويتبنوا موقفاً، ويتحولوا إلى أذرعة وأدوات تلعب بها الأطياف والمواقف والشخصيات في أي مكان وفي أي زمان، وتجعل منها وقوداً يحترق في سبيل أهداف سياسية وطائفية وعرقية وشخصية فاضحة. لا شك أن هناك مستويات عديدة من مؤجِّجي المواقف ومحرِّضي العداء في لبنان، يمكن إجمالها في أربعة مستويات رئيسة، هي على النحو التالي: 1- اللاعبون السياسيون الذين يمثّلون السياسة الرئيسة في حركة المجتمع اللبناني.. وهنا لا نريد أن نستعرضها، فهم معروفون، ويمثلون الأطياف الدينية، والسياسية، والعرقية، وغيرها من ذوي أصحاب المواقف السياسية المختلفة. 2- اللاعبون الإقليميون.. فتوجد خلف معظم الأطراف السياسية أو بعضها أطراف إقليمية تقف داعمة ومحرّكة وموجّهة لمسار الأطراف السياسية اللبنانية.. وذات استثمار استراتيجي في الداخل اللبناني. 3- اللاعبون الدوليون.. لا شك أن هناك أطرافاً دولية لها مصالحها في تردّي الوضع اللبناني، أو على أقل تقدير في تغليب طرف على طرف، في محاولة لبناء معادلات سياسية تخدم مصالحها في المنطقة. 4- اللاعبون الإعلاميون.. حيث يقف مع اللاعبين السياسيين اللبنانيين لاعبون إعلاميون يسعون معهم إلى تعميق مواقف الخلاف، وتأكيد أهمية الاستمرار في تشنيج المواقف، واستدعاء جميع الوسائل والخبرات من أجل تصعيد مواقف العداء داخل المجتمع اللبناني. وجميع هذه المستويات مترابطة بعضها البعض، ولا يمكن فصلها أو تحييد مستوى معين دون مستويات أخرى.. وهذا ما يعقّد المسألة، ويجعل بذور الإصلاح السياسي والتغيُّر نحو التآلف والتوافق صعبة إن لم تكن شبه مستحيلة حالياً بسبب هذا الارتباط والتعقيد.. وهكذا، فإن الأمور تسير في اتجاه حرب لبنانية، على رغم أن الجميع يقول وربما يدّعي أن الحرب اللبنانية هي خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، ولكن المعروف أن المواقف تولّد المواقف، والأحداث تستدعي الأحداث، والفعل يتطلّب ردّة فعل، وما نخشاه هو أن توليد الأحداث قد يكون بإرادة بعض هذه الأطراف، ولكن الأفعال الردّية قد تكون غير مرتهنة لعقل أو تفكير أو حكمة.. وقد يتلوها الكثير من المواقف غير المنضبطة التي بدورها تولّد انفلاتاً في المواقف وردّة الفعل.. وبالتال الاتجاه إلى حالة (لا سيطرة ولا تحكُّم) في المواقف. وبعض هذه الأطراف تحاول أن تؤجّج المواقف المتشنّجة الحالية بمصطلح النزول إلى الشارع، وهذا فيه تهديد واضح لنقل الصراع والخلاف من قاعات الاجتماعات وصالات المجالس إلى الشارع، والاحتكام إلى الناس، في محاولة للاستقواء بالشارع في مواجهة الخصوم، ولكن هذا التحرّك يجسّد الخطر الحقيقي الذي يواجه جميع الأطراف؛ لأنه يعني نفاد الحكمة السياسية لتلك الأطراف.. وتلاشي مساحات الحوار، وتقلّص حدود القواسم المشتركة.. وتنامي نزعات التطرف السياسي في المشهد اللبناني. والسؤال: كيف المخرج؟ وفي نظري أن القوى المخلصة - قوى الاعتدال والحكمة - في الوطن العربي يجب أن تتدخل بقوة في محاولة لفرض أجواء توافقية جديدة، وفي ذهني أن المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ينبغي أن تطرحا مبادرات سياسية لانتزاع فتيل الأزمة، ومن المعروف أن جهود المملكة العربية السعودية في عهد الملك فهد - طيب الله ثراه - كانت وراء مؤتمر الطائف الذي أصبح هو المرجعية السياسية لكافة الأطراف اللبنانية، ومثّل نقلة نوعية في العلاقات البينية بين جميع هذه الأطراف، ووضع حداً لحرب أهلية طاحنة في لبنان.. ومن هنا نرجو - نحن العرب والمسلمين - أن تبادر المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى طرح مبادرة إنقاذ للتردّي السياسي في الساحة اللبنانية.. ولربما الحاجة تستدعي تحضيرات مؤتمر (الطائف 2)؛ مؤتمر جديد يستوعب كافة تعقيدات المواقف لمناقشة أُطُر الخروج من هذه الأزمة.. ومثل هذا المؤتمر أو غيره من الجهود يجب أن يسبقها عمل تمهيدي بتفريغ الإعلام اللبناني من شحنات العداء والمضامين التحريضية.. كما يجب أن يكون العمل الآخر هو تفكيك المواقف اللبنانية عن المواقف الخارجية التي تدعم أو تؤثر في مسار العمل اللبناني المشترك.
رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود alkarni@ksu.edu.ds
|
|
|
| |
|