| |
إلى طوبى.. أيها الطيب اللواء م. عساف بن محمد العساف
|
|
في ليلة الجمعة الموافق 8-10-1427هـ غيّب الموت عنا رجلاً أحب الناس وأحبه الناس أجمع كل من يعرفه على حسن أخلاقه وطيبته وكرمه. عندما يقابله الإنسان لأول مرة يحبه ويعجب من هدوئه واحترامه للناس ومن حياته، ولعله يحاكي الحديث الشريف: (الحياء شعبة من الإيمان)، ذلك هو الأخ والصديق والحبيب الغالي.. صالح العبدالله العقيّل. لقد كان لفراقك يا أبا محمد.. لوعة وحزن عميق لنا ولأسرتك ولرفيقة دربك السيدة الفاضلة أم محمد.. وأولادك وبناتك وأحفادك وكل من يعرفك. لا أعرف من أين أبدأ الحديث عنه؛ فكله خصائل حميدة وما سوف أكتبه لا يتعدى ما لمسته خلال علاقتي به أو سمعته منه أو حدث لنا معاً. لقد عاش شبابه في بيت ومدرسة الرجولة، إنه بيت المرحوم - بإذن الله - عبدالله العقيل.. فأي بيت هذا؟ إنه بيت الكرم وهو معروف للجميع، وكان لوالده ولد مطيع فكسب الكثير من تلك المدرسة ونهل الخلق الحميدة والرجولة الصافية وعندما تقدم العمر بوالده عمل جهده ليخفف معاناة والده من ظروف الحياة (كم خير غبر الليالي وطنه) باذلاً جهداً كبيراً لعدم إحساسه - رحمه الله - بأي ضعف أو مهانة. قال لي ونحن في حديث عن والده إنه عندما يحضر أحد للسلام عليه بعد أن كبر سنه وهو لا محالة داعيه على عشاء أو غداء يقول: كنت أعرف من نبرات صوته عدد الذبائح التي يرغب أن نذبحها لذلك الضيف ويأتي العدد وفقاً لتلك الرغبة. ولعل له نصيبا كبيرا من شطر بيت في قصيدة لوالده رحمه الله: (بعض العيال عقاب خله مضنه). أما أمه - رحمها الله - التي امتد بها العمر بعد وفاة والده فكان رحمه الله باراً بها وهي تحبه حبا شديدا وكان يزورها بعد العشاء حتى تنام قريرة العين. في أحد الأيام كنت مسافراً معه على الطائرة وفي منتصف الطريق أعلن قائد الطائرة عن وجود خلل بها وأنه مضطر للهبوط في أقرب مطار وكان يبعد عن موقعنا ساعة طيران، وكل يدرك حالة الركاب في مثل هذا الظرف وبعد مضي نصف ساعة سأل صديقا كان معنا: أريد أن أعرف شعور كل واحد منكم وبماذا يفكر. فقال رحمه الله: إن تفكيري ينصب على والدتي كيف ستتلقى الخبر وكم ستحزن وتتأثر؟! يالك من ولد بار نسيت كل شيء وتذكرت والدتك، فلعلك يا عزيزي كنت تبحث عن الجنة تحت قدميها رحمها الله. أدعو الله جلت قدرته أن يجمعك بها في جنات الخلد. حقا لقد كان لفقده لوعة وغصة وألم وحزن يتجرعه كل من يعرفه؛ فتلك رفيقة دربه أم محمد المرأة الصابرة التي كانت تقف إلى جانبه في كل دروب الخير التي ترك لها فراغا كبيرا أرجو الله أن يعينها ويلهمها الصبر والسلوان، ثم أولاده الأخيار الذين نهلوا الرجولة الحقة من شخصه العزيز.. لقد كان منفرداً بطريقة التربية يلهمهم الدروس استشعاراً. عندما أحضر إلى مجلسه لا أحس بأنني بين والد وأولاده بل بين أصدقاء، ثم بناته اللاتي كان لهن الصخرة التي تتكسر عليها مصائب الزمن؛ فهو الأب الحاني عليهن يرعاهن بعينه وقلبه، ثم أحفاده الذين تربوا في بيته فعندما كان يجلس في مجلسه تجد الطفل الصغير يحضر ليطل برأسه على ذلك المجلس يريد أن يتأكد من وجوده حتى يشعر بالأمان.. كما سيفتقدك هؤلاء؟ قال لي سائقهم بطريقة تعبير عفوية: (إن عم صالح يستحيل وجود مثله في هذا العالم). ولعل عزاءنا بفقده يهون عندما نتذكر أن الله رزقه حسن الخاتمة فقد طلب التراب للتيمم والصلاة وهو في المستشفى وأبلغه أبناؤه بأن الوقت ليس وقت صلاة، ولكنه أصر على ذلك؛ فتيمم وكبر للصلاة وأطال، وهم يعتقدون أنه ساجد، فرفعوا رأسه للتأكد، فوجدوه شاخص البصر ودخل في غيبوبة لم يصحُ بعدها حتى توفاه الله. أكرر عزائي لأسرة العقيل عامة وأخص أم محمد وأبناءها وبناتها وأحفادها وأستميح العذر حيث لم أوفِ المرحوم - بإذن الله - حقه. وفي الختام.. أدعو الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وأدعوه باسمه الذي إذا دعي به أجاب أن يجعل الفردوس مقره وأن يشمله برحمته وعفوه وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة.. إنه سميع مجيب، وأفضل الصلاة وأجل التسليم على خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم.
|
|
|
| |
|