| |
الحبر الأخضر نحن بين الأفعال وردود الأفعال درس في جلد الذات أ.د. عثمان بن صالح العامر
|
|
لماذا نبقى أسرى لردود الأفعال التلقائية أو حتى الاضطرارية.. لماذا يُقال عن سلوكنا إنه مجرد استجابات إشراطية للمؤثرات الخارجية التي تهب من حولنا.. لماذا نعمل وفق أجندة الآخر.. نبحر في جداول الغير.. نجر إلى معارك جانبية ترهقنا مالياً وبشرياً وتصرفنا عن همنا الأساس وتعيق خططنا التنموية المرتقبة.. نقف على أرض غير أرضنا وتحت سماء ليست لنا.. نحاول تقمص شخصية الآخر فننسى مشيتنا ولا نحسن مشيته.. نشعر بأوجاع التبعية وآلامها في مواقف عديدة.. ينبري فريق منا فيربطون بين كل حدث فينا وعقدة المؤامرة.. تصبح مشاكل الغرب هي في ظن النخبة المتثقفة فينا المشاكل الأساسية في بلادنا ولها الأولوية على غيرها مع أن لدينا في الواقع ما هو أهم وأجدى أن تنصرف له وعليه الجهود.. ندعي من باب الاعتذار وتحسين الصورة أننا كنا ننوي أن نفعل هذا من قبل ولكن!!.. نقول بلسان الحال والمقال إننا ماضون في الإصلاح وما قاله التقرير هذا أو ذاك مخطط للنهوض به وإعادة النظر فيه من قبل.. يكون شغلنا الشاغل ولفترة من الزمن ليست بقصيرة - خاصة ونحن في عصر السرعة - هل ما قِيل صحيح أو أنه مجانب للصواب.. تكتب الدراسات وتؤلف الكتب لتقول للتاريخ إن هذا المنجز الحضاري الجديد موجود في تراثنا ولكن بصورة أخرى ولذا فنحن قد سبقنا به الغرب بقرون من الزمن.. أين أفعالنا ابتداءً.. أين هي أبحاثنا المتخصصة ونظرياتنا العلمية المتميزة ذات الأثر المباشر على حياة الإنسان المعاصر سواء الدينية أو الثقافية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو حتى الترفيهية؟.. أين هي اختراعاتنا الرائعة التي غيرت وجه التاريخ أو على الأقل شاركنا فيها بصنع الحضارة المعاصرة بصدق؟.. ما مدى أثر مبادراتنا الشخصية ذات الصبغة الحضارية على الصعيد الداخلي والخارجي حتى ولو كان هذا الأثر بسيطاً محدوداً زماناً ومكاناً؟.. إلى متى ونحن نرقب ما يقوله الآخرون فينا؟.. أين قولنا نحن في ذواتنا؟.. لماذا لا نبادر إلى تشخيص أمراضنا قبل أن تكتبها يد الأجنبي؟.. وعلى افتراض أننا فعلنا ذلك ابتداءً فلماذا تفتقد تقاريرنا ودراساتنا للمصداقية والدقة والموضوعية في نظرنا وتحظى الأبحاث والدراسات الخارجية لكل هذا الزخم والحماس؟.. لماذا لا يوجد لدينا أرقام إحصائية دقيقة يستقي منها الباحثون والدارسون معلوماتهم ويبنون عليها نتائجهم؟.. أين هي مراكز المعلومات المتخصصة في بلادنا؟.. لماذا لا نطور مواقعنا العامة على شبكة العنكبوتية الإنترنت العالمية إذا كانت هي بوابتنا للعالم الخارجي ومصدر استقاء المعلومة عند الباحثين.. وعلى افتراض حسن النية فيما قاله وسيقوله الغير في المستقبل.. على افتراض دقة المعلومة التي بُني عليها هذا التقرير أو تلك الدراسة المتخصصة فهل غاية طموحنا أن نسجل رقماً هامشياً في التاريخ أم أننا يجب أن يكون أملنا أن نحمل أرقام الصدارة في كل شيء؟، ولِمَ لا؟.. ما فرقنا عن غيرنا؟.. هل حددنا ما نريد بوضوح ومصداقية وحسب ما لدينا من إمكانيات وقدرات؟.. هل رتبنا الأولويات في مسارنا التنموي والإصلاحي؟.. وهل خططنا بدقة للوصول إلى الهدف الواضح؟.. إنني لستُ من زمرة المتشائمين ولا القانطين اليائسين بل ممن يحمل التفاؤل كل التفاؤل بين جنبيه ويستشرف زمناً مشرقاً لهذا الوطن المعطاء المملكة العربية السعودية ومستقبلاً رائعاً لهذه الأمة المنصورة من الله المحفوظ دستورها بحفظ الله له.. ولكنه درس في جلد الذات أسمعه هنا وهناك يقوله لسان الحال والمقال.. والجواب على ذلك كله معلق برقبة كل منا فنحن الوطن.. نحن مَنْ يملك تغير المعادلة وقلب الطاولة، نحن مَنْ تُعَلَقُ عليهم الآمالُ.. ومن يريد منا أن يجعل أعماله أفعالاً لا ردود أفعال لا بد أن يتصف بصفتين هامتين: أولاهما : النضج العقلي الذي يمكنه من الوعي بالذات.. يعرف قدراته وإمكانياته الحقيقية، ويرتب الأولويات في حياته، كما أنه يعرف بيئته المحيطة به ويعرف كيف يتلاءم معها إذ هو إنسان يحمل أجواءه بين جنبيه. ثانياً : النضج العاطفي إذ يجب أن تتحرر إرادته من الأهواء والانفعالات ولا بد أن تكون لديه تشكيلة واسعة من الاهتمامات، ولكنه يعمل داخل دائرة التأثير حسب معرفته لذاته وقدراته التي رزقه الله إياها فنماها وطورها بالتربية والصقل والتأهيل.. فهل أنت.. هل أنت.. هل نحن المجتمع كله.. الوطن بأسره.. نملك ونتسم بهاتين الصفتين؟.. أشك بل أجزم.. أن هذا بحق هو التحدي الصعب المطروح بين أيدينا في عالمنا المعاصر.. والمعركة فيه نكون أو لا نكون.. فهل نكون؟.. لنكون لا بد من التميز والسرعة فهما ركنا القوة في عصر العولمة، وهذا يوجب علينا الانتقال من خطاب التنمية المألوف إلى خطاب تنمية الفاعلية لدى الإنسان ليبذل ما في وسعه من أجل التنمية والبناء.. والتعليم والإعلام في طليعة مَنْ تعلق عليهم الآمال لصناعة الوعي الشعبي بمفاتيح وأركان ومعطيات خطاب تنمية الفاعلية هذا.
|
|
|
| |
|