| |
الرئة الثالثة قناة (الجزيرة): هل هي مخترقة صهيونياً؟ عبد الرحمن بن محمد السدحان
|
|
* أضحت القنواتُ الفضائيةُ، عربيُّها وأجنبيُّها، جزْءاً لا يتجزّأ من موائد العقل العربي المعاصر، تبث الزُّبْدَ والزَّبَدَ أربعاً وعشرين ساعة في اليوم والليلة، والناس من حولها منْقسمُون رأياً وموقفاً، منهم من يقاطعها كلاً لا جزءاً بحجة أن ما أفسدَ كثيره، فقليله مرفوضٌ، ومنهم من ينتقي الصالحَ منها والمفيدَ، ويدع ما سوى ذلك، وهناك فريق ثالث لا يقيمُ لنفسه حدوداً، فيشاهدُ كلَّ ما يتلقّفه سمعه وبصرُه، بحجة أن معرفة الشيء خيرٌ من الجهل به. *** * وعندي أن الغزو الفضائيَّ الذي نشهدُه اليوم بزُبْده وزَبَده وتعدُّد أوعيته، ليس خيراً كله، وليس شراً كله، لكن الحكمَ على هذا أو ذاك يعتمد على ذائقة المتلقّي من جهة، والمعادلة الأخلاقية التي يحتكم إليها في اصطفاء هذه القناة ونبذِ تلك، أمّا الاحتكامُ إلى (أحادية) الموقف الذي لا يرى من الليل إلاّ سواده، فمسألة فيها نظر! *** * أقرن ما سبق من قول بالتسليم أن هناك قدراً كبيراً من الخَلْطِ بين الأوراق والقِيَم في ذهن المتأمّل الواعي لأداء بعض القنوات الفضائية، عربيِّها وخليجيِّها، إلى حدّ أن المتلقّي قد يواجه عُسْراً في التَّمييز بين طرحٍ يقوم على الإثارة تشويقاً، وآخر يمارسُ الصراحة ترغيباً له وتثقيفاً! *** * يضاف إلى ذلك كله أنّ بعضَ الفضائيات تعيشُ حالة من (الغباء) في أدائها، فتضرّ أكثر مما تنفع، ويبقى فضاءُ البث الإعلامي مفتوحاً تتجوّل في أرجائه الأبصارُ، بحثاً عن الأفضل الذي قد يكون لدى البعض (بسْطاً وهزَّ وسط)، وقد يكون لدى البعض الآخر.. اكتشافاً للمعرفة، وبحثاً عن الوعاء الفكري الذكيّ لنقلها واستيعابها. *** * وعلى صعيد آخر، أُجادل نفسي أحياناً بالشكّ في أن بعض الفضائيات العربية (مخْتَرقٌ) صُهْيونياً، فتارة يبُثُّ برامجَ مشبوهة الطرح والغرض، وأخرى يستضيف أشخاصاً يحملون (أجندا) معادية لهذا الطرف أو ذاك، ويرسلون إشارات صوتية مدوية ظاهرُها (نقد الذات)، وباطنُها الإساءةُ السافرةُ لكل ما هو عربي، وتقف قناةُ (الجزيرة) القطرية شاهداً مجسِّداً لذلك، والمؤلمُ حقاً أن هناك فريقاً من المثقفين ومقلِّديهم مَنْ قد (يتعاطفُ) مع هذه القناة بحجّة أنها (موضوعية) الطرح، وأنها تسمّي الأمور بأسمائها، لكن المتابعة الذكية لما تبثّه هذه القناة عبر العديد من برامجها الحوارية، ناهيك ببعض (وجباتها) الإخبارية المفخَّخة بالخُبْث لا بدَّ أن تبرزَ له خِسّةُ (العُرْي) الحقيقي الذي تمارسه هذه القناة باسم حرية التعبير، في حين تتعمّد الإساءة المباشرة وغير المباشرة لهذه الدولة أو تلك في وطننا العربي، وقد سمعنا مؤخراً وقرأنا عن حالات من التوتر السياسي بين بعض دول الوطن العربي ودولة قطر (الحاضِنةِ) لهذه القناة بسببها ولا شيءَ سواها! *** * في ضوء ذلك كله، يتساءل العقلاءُ منا في حيرة: أيْن النُّخب العربية المثقَّفة من هذا الزيْف الإعلامي الذي تمارسه قناة (الجزيرة) وغيرها، تصريحاً وتلميحاً؟! ولماذا تفضِّلُ البقاء في شرفة المتفرجين في الوقت الذي يمارس فيه (قراصنة) الإعلام الفضائي (سادية) القذْفِ السياسي الظاهر منه والمسْتَتِر؟! وأرجو ألا يظُنّنَ أحد أنني أرفض نقد الإنسان العربي عقلاً وممارسة ونظاماً، لكنني أرفض الغُلوَّ والإسفافَ والعبثَ في نقد يتّكِئُ على (شهادة زُور) يبثُّها حاقدٌ أو مجنون! *** * وختاماً، يحتاجُ العرب في تقديري المتواضع إلى (انتفاضة إعلامية) أخلاقية ذكية، تقول الحقَّ.. ولا شيءَ سواه، لكن باحتشام لا يفرِّط في (ورقة الحياء) التي تسْترُ كرامةَ الإنسان، ولا تتجاوز به أسوارَ الفضيلة إلى فضاء القُبح، لفظاً ومعنى، وفي الوقت نفسه تملك من المواهب والقدرات والإمكانات ما يجعلها تخترقُ جدار الإعلام الصهيوني هناك في الغرب والإعلام (المتصهين) في وطننا العربي، أوْ حيثُما كان!
|
|
|
| |
|