| |
بين قولين ركن البادية عبدالحفيظ الشمري
|
|
ألفنا أن يأتي الشعر الشعبي مرتبطاً في حياة الريف وعادات أهل البادية، متمثلاً بتحلُّق السمّار حول بعضهم.. ينصتون لوجيب الشعر الفاتن، والقصص الجميلة، إلا أن الراديو سرعان ما طوَّر مرحلة التلقي، فبات الأهل آنذاك شغوفين بأصداء البوح الشعري، على نحو ما يموسقه (رضا طارف) في برنامجه (ركن البادية)، أو حينما يترنم (محمد بن شلاح) - يرحمه الله - بباقة قصائده المختارة وقصصه الهادفة ببرنامجه (مضارب البادية)، ليظل الجميع مشدودين إلى ما يقولانه بصفاء وحميمية خالصة. باتت الأيام الخوالي مجرد ذكرى، وتباعدت الليالي حتى لم يعد لها وجود في الذائقة أو الذاكرة، لأن ما يقال الآن بات كثيره فيض من إدعاء، وقليله نزر من صدق. أمر آخر ظل يتردد، مؤكداً على جزالة الريف وحضوره الصادق عندما ظل الشعر على ارتباط دائم بتفاصيل البادية التي أصبحت الآن تلفظ أنفاسها الأخيرة، حيث هجرها الأهل وعبثت بها نوائب الزمان الجديد. لا ننكر أن هنا وهناك حياة بادية لا تزال تتمتع بصدق وعفوية ومعانٍ وافية، وشعر يجهد في المحاولة لأن يحافظ على وقاره، إلا أن الغث يكثر من خلال تزييف المشاعر، وبيع القصائد، وتصحيف لغة الشعر، والعبث بالأحداث، وتسجيل المواقف المراوغة. شعر البادية الآن بحاجة إلى جرعات من الصدق، وكميات من الوفاء وكثير من التواضع، وطمس لمعالم الرياء والنفاق، فالبادية ثقافة، ومجدها يكمن في أن نحافظ عليها، ونكف عن العبث في دلالات جمالها، ونقاء سريرتها.
|
|
|
| |
|