لقد ودعت الأحساء رجلاً من رجالاتها وذلك في ليلة ختم القرآن، ليلة من ليالي القدر في المسجد، وبعد أن تمت الصلاة بإمامة الشيخ عبدالمحسن النعيم إمام مسجد المرزوعية بمدينة الهفوف. يا لها من خاتمة طيبة، حدث ذلك في ليلة التاسع والعشرين من رمضان عام 1427هـ وبعد صلاة التراويح. لقد كان مكانه معروفاً في المسجد ولا يحتاج إلى حجز لأنه كان بمثابة حمامة المسجد يدخل المسجد قبل الأذان بنصف ساعة على الأقل.
لقد تلقى الجميع نبأ وفاته بحزن شديد حيث كان قد ذهب إلى بيته ليخلد إلى الراحة للاستعداد لصلاة التهجد، رجل نظم أوقاته وحياته للآخرة فانتقل من الدار الفانية إلى الدار الباقية. يقول الشاعر:
الموت كأس وكل الناس شاربه |
والقبر باب وكل الناس داخله |
لقد حضر الصلاة عليه في المسجد والدفن في مقبرة أم زرينق جمع كبير من أهالي الأحساء المحبين للمتوفى. ولقد ولد -رحمه الله- عام 1340هـ في مدينة بريدة بمنطقة القصيم وخلف أربعة من الذكور وأربعاً من الإناث، وتلقى القراءة والكتابة على يد صالح الصقعبي، وحفظ القرآن على يد الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سليم. والموت حق على كل كائن في هذا الكون فلا ينجو منه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
يقول الله تعالى في محكم كتابه: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
الشيخ ناصر بن حمد الناصر اللبلي وفد إلى الأحساء في سنة 1352هـ وهو في ريعان شبابه، وقد أرسله والده إلى عمه عبدالله لمساعدته في القراءة والكتابة، وفيما بعد زوجه ابنته. لقد أحب الأحساء وبادله أهلها الحب والاحترام، كان يقطن في بيت صغير في فريق آل ملحم بحي النعاثل وسط مدينة الهفوف، كان بيته مجاوراً لأسرة آل ملحم. وقد دفعني للكتابة عن الفقيد الكريم - رحمه الله- أنه كان صاحب فضل، فعلاوة على علاقته التجارية والأسرية بالوالد -رحمه الله- والأسرة، كان له فضل عليَّ شخصياً حيث أسهم في توظيفي بالجوازات أثناء دراستي بكلية التجارة بجامعة الرياض سابقاً (جامعة الملك سعود حالياً)، وكان في فصل الصيف بواسطة ابن اخته الأستاذ صالح السفير الذي كان يشغل في ذلك الوقت مساعد مدير عام الجوازات بمنطقة الرياض وذلك في عام 1399هـ وذلك بمكافأة مقطوعة ألف وخمسمائة ريال، وكان نعم الشريك، وفياً مخلصاً أميناً على تجارة الوالد وأهله وجماعته. لقد عاش مع أسرة آل ملحم بالفريق ومن ثم انتقل بعد عملية هدم حي النعاثل حين شمله التطوير في ذلك الوقت وانتقل معهم إلى حي سمحا المجاور لحي المزرعية بمدينة الهفوف. لقد كانت شراكة معروفة بدايته كانت ككاتب للوالد ثم تطورت إلى أن أصبح شريكاً معه في التجارة في متجر بسوق القيصرية في مكان يعرف بسوق التجار حيث كان المجاور للمحل تجارة من أسرة آل ملحم المعروفين في ذلك الوقت وهم ملحم العثمان الملحم وعبدالمحسن بن صالح السليم الملحم وعبدالله عبدالمحسن الملحم وأحمد الفهد الملحم وعبدالمحسن بن عبدالله الملحم محمد العثمان الملحم، عبدالعزيز الفهد الملحم، عبدالرحمن العيسى الملحم ومن خارج الأسرة أحمد الشعيبي وعبدالرحمن الدبلان وناصر العياضي وصالح العودة وصالح العمران ومحمد المطلق وأسر لا تحضرني أسماؤهم. لقد كان سوق القيصرية في الفترة الماضية يندر فيه من يكتب أو يقرأ وكان أبو حمد هو كاتب القيصرية الأول ويتمتع بخط جميل واضح وأسلوب في إعداد الخطابات والعقود التجارية. كان -رحمه الله- ممن يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها ويقفل المحل التجاري قبل الأذان بنصف ساعة، وإذا قيل له بالعامية (تو الناس) على الصلاة وأن السوق حامي وخاصة في مواسم الأعياد والإجازات، قال بعفوية: رزق الله أحسن من الدنيا وما فيها. والدليل على ذلك أن أولاده وجدوا في جيبه مفتاح المسجد عند إخراجه من ثلاجة المستشفى. وكان -رحمه الله- من أهل القرآن، فقد كان يختم القرآن كل أسبوع حتى لقبه عارفوه بأبي الختم. وقد شهد له321 ممن حضروا جنازته من رواد المسجد.
وكان يحترم من يترددون على المتجر من التجار، صغاراً كانوا أم كباراً ويرضى بالربح القليل. وهذه سياسة اتفق عليها الاثنان -رحمهما الله- في ممارسة العمل التجاري حتى أن البضاعة التي كان الوالد يستوردها من الهند بحكم خبرته وعلاقته بالتجار الهنود وإلمامه باللغة الهندية وكانت لنتيجة هذا التعامل أن البضاعة التي كانت تستورد من البسط وبعض المنتجات القطنية والعطور والعود لا تمكث طويلاً في المستودعات، كما كان دائم الابتسام والبشاشة، يألف الناس ويألفونه، وهذه من صفات المؤمنين وفي الحديث الشريف (الدين المعاملة).
وقد بلغ من حب الفقيد للأحساء وأهلها أن زوج ابنتين من بناته من أهالي الأحساء المعروفين (السماعيل والعويفير). نسأل الله أن يتغمد الفقيد الكريم بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته.
|