| |
رسالة إلى أمي مي سالم عبد الله - رجال ألمع
|
|
العلاقة الممتلئة بالحب الخالص وبالحميمية وبالعطاء المطلق وبالقسوة الحانية، العلاقة المفردة التي ليس أجمل ولا أروع ولا أعذب منها سوى العلاقة مع الله جل وعلا ومع رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، إنها علاقتي بك يا أمي.. أنت يا أمي في كل مراحل حياتي ملأتني بالأمل وملأتني بالعزيمة والاصرار على تحقيق الذات واثبات الوجود.. معك يا أمي أشعر بأنني محتواه أنا وجميع همومي ومتاعبي وأحزاني.. صوتك فقط يا أمي يجعلني أستأنس أنساً يشملني ويشمل جميع من يتواصل معي، عندما نكون أنا وإياك في مكان ما وغادرت أنت وبقيت أنا أشعر بالوحشة وبالغربة وبالخواء الروحي وأشعر بغصة أكون مضطرة لأن أبقى صامتة زمناً ليس بالقصير حتى تتلاشى هذه الغصة وتغيب في العقل الباطن، المؤكد أنها لم ولن تجف. أمي الغالية.. أنا صناعة ونتاج فكرك ووعيك الشديد بمسؤولية الأمومة وبمسؤولية التربية من جميع الجوانب، تعلمت على يديك أقوى وأرسى المفاهيم، لن أنسى قسوتك في بعض المواقف التي كان نتاجها فكراً راسخاً لا يقبل التغيير ولا التحريف ولا يخضع للهزيمة أو التراجع كانت قسوة صنعت مني امرأة ترفع رأسها بشموخ في وجه الحياة البائس أو في وجه الحياة المشرق، تعلمت منك يا أمي أن أحول وهج النار إلى ضوء استنير به، تعلمت منك يا أمي أنه طالما أنا على قيد الحياة إذاً يجب أن أعيش، يجب أن أأكل وأشرب وأقرأ وأكتب وأعمل.. يجب أن أكون خارج دائرة الركود بجميع صوره. أمي.. ثقي تماماً أنني سأبقى أجلك وأقدرك وأحبك ما حييت.. أمي تعلمت على يديك الأصول الراسخة في عقيدتي وليتني تعلمتها فقط بل انها ارتبطت بك يا أمي.. فعندما أزوركم وأراك تصلين أحن للصلاة وعندما أراك تسبحين أحن للتسبيح، أحاول الآن جاهدة أن اتقمص جلستك وقراءتك أثناء تلاوة القرآن بصوت مسموع فكانت لك ترنيمة تملأ زوايا بيتنا الذي أعشق كل مفرداته وتفاصيله، وعندما أراك تقرئين بمثابرة وبرغبة لا أملك إلا أن أحب القراءة لدرجة العشق، وهذا العشق لها حولها إلى حياة مستقلة داخل منظومة حياتي اليومية وايجادك لهذه الحياة - فصرت أحيا حياتين - منحني الشعور بأنني امتلك مستوى من المعطيات يفوق جميع المستويات الحياتية التي نشاهدها ونعايشها أنا وإياك داخل مجتمعنا وهكذا عبأتني نفسياً ثقة بالذات فجاءت تلقائية من بديهيات مفردات شخصيتي، تعلمت على يديك يا أمي أن احترم الرجل ولكن في ظل رفض مطلق ومجاهر به للمهانة والانكسار والانحناء لهذا الجبروت الذي يغذي حياتنا تارة بالبؤس وتارة بالسعادة، لقد علمتني يا أمي وبشكل عملي أقوى وأرسى علاقة من الممكن أن يحيا ضمنها الإنسان.. علمتني لا بل غرست غراسا يبقى صامداً مهما كانت الرياح العاتية عليه أن العلاقة مع الله هي المكسب وهي الغنى وبها ومعها لا يخشى الإنسان حتى أذى الشوك، أوصلتني إلى درجة اليقين الذي أتحصل منه على اللذة وليس فقط اليقين الذي هو فكر مجرد أو قناعة مجردة متعرية من المشاعر الحقيقية من التوكل على الله واللجوء إليه وكفى بمعنى وكفى. تعلمت على يديك لا أقول الصدق لأنني بذلك أنعت نفسي ولكن أقول رفض النفاق والمداهنة ورفض المجاملة عندما تكون سيفاً مسلطاً على حياتي وعلى شخصيتي وعلى كياني.. لا أتكلم إلا بما أعتقد ولا اضحك ولا ابتسم إلا عندما تكون نابعة من قلبي ولا تسقط دموعي إلا عندما تباغتني دون أن استدعيها وأرسلها غزيرة إذا احتجت إليها تخيلي يا أمي حتى هذه تعلمتها على يديك الدموع والضحك وما بينهما! أمي عندما وضعت رأسي على وسادتي أريد النوم مر وجهك في ذاكرتي فعرفت لحظتها أنني لن أنام قبل الفجر فغادرت غرفتي وقررت أن أكاتبك لعل الكتابة تطفئ ولو قليلا من الشوق الجارف لجلسة تضمني معك ولكنها كانت مثل طبق شهي كلما أكلت منه اشتهيت أكثر. هناك مساحة فارغة في داخلي هي مكانك بعد فراقك لن تملؤه أي علاقة على الإطلاق.
|
|
|
| |
|