| |
إنه العقل إذ يغيب..! إبراهيم بن عبد الرحمن التركي
|
|
(1) ** في اقتناع الفلاسفة أن لا شيءَ يظلُّ ثابتاً، فالساكنُ واقفٌ حتى يجد ما يحركه، والمتحرك يحتاج إلى من يوقفه، ويخلصون إلى أن لا شيءَ يستطيع تغييرَ نفسِه بنفسه..! ** ليكن ذلك كذلك؛ ليبقى العامل الأهمُّ المؤثرُ في التغيير وجود الرغبة والإرادة والرؤية والتخطيط والإجراءات، وحين يبدأُ التنفيذ فإنه قادرٌ على الإيقاف والتحريك وفقاً لما سبق إقرارهُ بالتعاقد المجتمعي أو بالعمل المؤسسي أو حتى بالسلوك الفردي..! ** وبمقدار الخوف من التغيير الذي يرسمُه سدنةُ التقليد الراغبون في بقاء كلِّ شيء مكانه، فإن الزمن كفيلٌ بخلخلةِ أنظمةِ الوصاية أو الحراسة وتسريب عوامل دافعةٍ للإيقاف أو التحريك على حد سواء، وهنا تتم عملية التغيير دون وجود (ضابط) الرؤية والسياسات الاستراتيجية، مِمّا يؤثرُ سلباً في البناءِ العام بأطره المتعددة، وقد يوجد صدمات للذات أو اصطداماً مع الآخر بفعل عدم وجود نقطة انطلاقٍ مثلما انعدام خطِّ نهاية..! ** ولعل المجتمعات المحكومةَ بالهواجس المتوجسة من الجديد والطارئ والغريب أكثرُ عرضة للهزّات الثقافية - الاجتماعية مما يوجد انفصالاً بين النظرية السائدة والممارسة الخفية والمعلنة، كما تبدو المسافة واسعةً بين ما ينادي به الخطابُ المتحفظ وما يمتلئُ به الشارع المائج وهو ما يصنعُ التناقضَ والازدواجية التي تتجاوزُ الشخوصَ إلى المبادئ، ويُحكمُ بها على التنظيم المفتقد للتجانس، الفاتح عيناً والمغمض أخرى، والرافعِ صوتاً في اتجاه والخافض آخر في اتجاهٍ غيره..! (2) ** هاجم (توماس هوبز 1588- 1679م) الفلسفة المدرسية، ورآها عبثاً بالكلمات دون معنى، وفي اقتناعه أن الكلمة ترتدي قيمتها حين تقترن بالإحساس والمشاعر، وتقود الجسم إلى فعلٍ أو انفعال مما يُولِّد الذاكرة والخيال والاستدعاء، وقد أشار إلى قضية مهمة حين حذَّر من التعثر بالكلمات حين لا ننتبه إلى تعاريفها، كما هاجم الفلاسفة المدرسيين لأنهم لا يسيرون على المنهج الهندسي المنطلق من تعريف واضح، والمنتهي بنتيجةٍ عملية حتمية..! ** ولكي تبدو الصورةُ بجلاءٍ أكثر فإن (هوبز) يشير إلى أخطاء أربعةٍ في الممارسة الخطابية وهي: تسجيل الأفكار بكلمات غير ثابتة المعاني ومن ثم خداع الذات، وتوظيف الكلمات بأسلوب الاستعارة وبذلك يُخدع الآخرون، وإعلان المواقف عبر الكلمات دون أن تكون هذه هي الحقيقة، وكذا استخدام الكلمات لإيذاء الناس..! ** وقد كان التفكير الأوربي في العصور الوسطوية دافعاً لتغيير كثير من (السواكن) و(المتحركات) المجتمعية، وقاد فلاسفة وعلماء القرن السابع عشر من أمثال (بيكون وغاليليو وديكارت وباسكال وسبينوزا وهوبز وغيرهم) معارك الانعتاق الحضاري من أزمنة الظلمة الكنسية، وسار التفكير مثلما السلوك إلى جانب العلم التجريبي، وعرف الناس مصطلحاتٍ جديدة للمعرفة واليقين والظاهر والواقع والوجود والهُويّة والحرية والعقل والمادة والاستنتاج والتجربة والضرورة، وتصدَّر علماء البراهين الرياضية والفيزيائية الحاسمة.. وهنا بدأت المعادلة الحضارية في التبدل، وتبعها أن انتقل مركز الثقل من الشرق إلى الغرب ومن المسلمين إلى غيرهم..! (3) ** بشكل عام لم يُعان المسلمون مما عاناه الأوربيون من تغييبٍ للعقل وسيطرةٍ للكهنوت ومحاكمةٍ للمفكرين، فالإسلام هو دينُ العقل، ولا إكراه ولا رجال دين فيه، وظلَّ الإسلامُ هو المنهج الشامل الذي يدينُ به أتباعُه في قضاياهم الشخصية وأمورهم التعبدية وأنظمتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسيظلُّ الحلّ الحقيقي لمشكلات التخلف التي ارتكس فيها العالم الإسلامي منذ عهودٍ بعيدة..! ** وقبل (هوبز) وفلاسفة عصر العقل الأوربيّ نعى الإسلام على من يقول ما لا يفعل، ومن يتكلم بالكلمة لا يُلقي لها بالاً فتهوى به، ومن يهيمُ بكلماته في كل واد، ومن يتنابزُ عبرها أو يوظفها للغيبة والنميمة والكذب، وفي الوقت نفسه دعا إلى إعمال العقل والتفكير والتدبر والسير في الأرض، والتأمل في السماء، وعاب على المشركين أنهم وجدوا آباءهم على أمة فاقتدوا بآثارهم..! ** انتصر الإسلام وانتشر، وسيبقى منتصراً منتشراً لا يُمكن لفئةٍ أو تنظيمٍ أو مذهب اختطافُه، وستظل عظمتهُ في عدم ارتهانِه لتفسيرٍ واحد أو جماعات بعينها..! (4) ** تحركت سواكن وسكنت متحركات في المجتمعات الإسلامية، ولم يستجب الناس مثلما الأفكار مثلما التقنيات لفروضٍ وواجبات ومباحاتٍ ومحرمات استلهمتْ تفسيراً واحداً أو رؤيةً محدودة..! ** وإذا كان هناك من حرَّم قيادة الدراجة العادية واستخدام مكبرات الصوت وتعليم الفتاة وإدخال التلفزيون فإنه لم يستلهم الإسلام بدءاً فلم يقف عنده المجتمع منتهى، وتكفل الزمن بالحل..! ** ستبقى المشكلة في جهل أو تجاهل الواقع، ورؤية جانب من الصورة وإغفال جوانب أخرى، وقسر الناس على فهمٍ اجتهادي، وإغلاق المنافذ أمام الرؤى المشروعة الموازية، فيندفعُ الناسُ إلى الاتجاه المعاكس..! ** طال التيه وسيبقى الإسلام هادياً ما قرأنا في منائره تحرير الإنسان من عبوديّة البشر وإخلاص العبادة لربِّ البشر وحده لا شريك له..! ** العقلُ فاتحةُ الحكاية..!
E:Mail: IBRTURKIA@Hotmail.com |
|
|
| |
|