* رؤية - سلطان الجهني:
من المؤكد أن حامد زيد ارتبط مع (الحبيبة) من خلال عمق وجداني حقيقي، يعكس للمتلقي مدى الحال الملتهبة والمتأججة التي يعيشها (حامد) عاطفياً، إلا أن هذه العلاقة مع (الحبيبة) وهي الطرف الآخر فيها - المستشفة من واقع قصائده - بنيت على أساس هش من المودة، ووفق أسس نفسية مضطربة، أخلت بتعادل طرفي المعادلة من حيث التوافق النفسي والوجداني، وبالتالي بدأت بذر الأتربة وحبات الغبار في وجه هذا الارتباط، لدفن معالم هذا (العمق) بشكل تدريجي، مهما حاول (حامد) التشبث بجذور هذه العلاقة التي أدمت أصابعه!!.
إذا كانت مسافات الخيانة للغرام قبور |
وش اللي يجبر العاشق يخون ويحفر قبوره |
وش اللي يجبر الشاعر يدور للشعر جمهور |
ما دام انتي محبينه وعشاقه وجمهوره |
هذه الحالة (من الارتباك العاطفي) التي يعيش (حامد زيد) هاجسها، امتدت عبر (مسافات) من الشعر لتطغى على معظم قصائده العاطفية، فإذا كانت هذه (الحبيبة) في شعر حامد زيد هي ذات الشخصية فإنها لم تنفصل عن ملامح الجحود والنكران، ولا تزال تمرح وتلهو بخنجر الغدر لتطعن به حبيبها (الوفي) في صميم صدره، وهو الذي شرع لها أبواب الحب والعطاء، واحتضنها بدفء أحاسيسه الصادقة، وغمرها بحنان روح شفافة طاهرة. ولا يختلف كثيراً إن كانت هذه (الحبيبة) تمثل (شخصيات) متعددة ومتفاوتة، أو كانت صورة من واقع تجارب عاطفية حقيقية، أم أنها محض خيال شاعري خصب.. فما يهمنا أن هذه (الحبيبة) ذات الشخصية (الواحدة) أو الشخصيات (المتعددة) أكانت (واقعاً) في حياة الشاعر أم (محض خيال)، وإن تغيرت شكلا، إلا أنها بقيت حاملة لذات الخصائص النفسية المتمحورة بسلبية البذل وأنانية العطاء:
الكذب خيبة ما عرفتي تحبين |
ما أنتي مثل من تستحق الموده |
ما تعرفين الحب والعطف واللين |
ولا عاد في قلبي على الحب شده |
وحامد الذي بدا أكثر من رائع في توهجه الشعري، وانسياب عبير قصائده نحو قلوبنا بشكل لا يخلو من شفافية، هو ذاته حامد (الإنسان) الذي لا يمكن أن ينفصل عن قصيدته بشكل كلي، مهما حاول امتطاء صهوة الخيال الشعري، فالشعر نتاج موهبة، والموهبة مستمدة من تمازج بين النفس والروح، ومع النفس يكمن الصدق، ومن خلال الروح ينثر الشاعر بوحه وهمه الوجداني، وبالتالي لا يمكننا (فهم) هذه الصفات النفسية (للحبيبة) في قصيدة (حامد زيد) بمعزل عن (فهم) شخصية ونفسية حامد نفسها، هذه الشخصية - كما يتضح من نتاجها الشعري - أنها على علاقة من الاضطراب واللا استقرار مع (الحبيبة) كملهمة أو معشوقة بشكل خاص، ومع المرأة كحالة عامة. ومن خلال تتبعنا للكثير من نصوص حامد زيد نجد أنه يحاول إلقاء اللوم على هذه (المعشوقة) بتوتر علاقته العاطفية بالأنثى، وكثيرا ما حاول (حامد زيد) التوطئة لهذه الفكرة من خلال الزج بمفردات أراد منها توظيف (تأصيل جحود الأنثى لعاشقها) مثل: (مسافات الخيانة)، (للغرام قبور)، (الكذب خيبة)، (ما تعرفين الحب)، مثل هذه المفردات أو العبارات التي نستشفها من (البيتين أعلاه فقط)، ومثلها كثير، قد لا تمثل مفردات ناقمة بقدر ما تمثل اتهامات لهذه (الحبيبة الأنثى) بمحاولة كسر جسر الوصال مع قلبه، الذي لايزال نابضاً بعشقها غير مبال:
من يوم فرقانا إلى يومنا اليوم |
ما فات يوم إلا وهي مشغلتني |
اليا غفيت اشوفها في حلا النوم |
واليا صحيت بكل الأفكار جتني |
وليس عيباً - شعرياً - أن يكتب (شاعر) عن (جحود) معشوقته، أو أن يحاول تصوير (حالة الجفاء) التي قد تجتاج أي علاقة عاطفية فطرية بين ذكر وأنثى، إلا أنه من غير المستحسن أن يكتب (الشاعر) في هذا المضمون إلى حد (الإسراف)، ولا أرى أنه جدير بحامد زيد - وهو الذي يمتلك الأدوات الكفيلة بكتابة قصيدة مغايرة - أن يحصر نفسه في زاوية الكتابة عن (الجحود) بتعدد مسمياتها وأنماطها من خيانة ونكران وغير ذلك في نصوصه العاطفية، ولا أقصد من ذلك أن حامد زيد أخفق في هذا النمط من الكتابة، إلا أنه لم يكن (الأفضل) على الرغم من تورطه في استنساخ هذا الموضوع في عدد كبير من قصائده.
فمثلا نجد (السامر) وهو الشاعر (المتنوع في شعره) يكتب عن الفراق بشكل مذهل يستحق أن نصفه (بالتفرد) فيقول:
كنا وكان الحب لك بالوفاء حي |
يوم تخدع العين بدموع عينك |
واليوم ما كنه جرى بيننا شي |
الشمس لك ولا أنا حقي الفي |
ومثل ذلك ما كتبه الشاعر علي مساعد في قصيدته (الخيانة) أو (دنيا الوله) - كما اشتهرت لدى الناس - وهي القصيدة التي صدح بكلماتها الفنان عبدالله الرويشد، لتشكل حالة فنية خاصة في تمازج الأداء الجيد مع الكلمة المغايرة؛ الأمر الذي كفل لها النجاح فنياً وجماهيرياً، وقصيدة (الخيانة) لعلي مساعد خالفت ما هو سائد فيما كتب في هذا المضمون، وخرجت بأسلوب سلس حقق إضافة جميلة لما كتب في (عتاب المعشوقة).
بلا سبب تزعل وتجرح بالكلام |
تقلب الدنيا على رأسي وتروح |
لا معك ينفع عتاب ولا ملام |
وين اسافر عن عذابك وين اروح |
وانت غير الناس عندي وكل شي |
وأنا لا أرى في الكتابة عن (خيانة الحبيبة) أو (طعنها لمحبوبها) أو (جفائها لعاشقها).. إلخ، ذلك البحر المتسع الجوانب، بحيث ينهل (الشاعر) من الكتابة فيه دون أن ينضب جماله الشعري، فالحقيقة أن الكتابة حول هذا الموضوع ضيقة الزوايا في مكان الإبداع الشعري، محصورة الحدود في الفكرة، وغير جيد الإكثار من الكتابة فيها طالما أنها لم تقدم للمتلقي الواعي شيئاً جديداً، ولو عدنا إلى قصائد (حامد) من خلال ديوانه المقروء الأول (أربع خناجر) أو دواوينه الصوتية التالية لهذا الإصدار، لوجدناه غارقا في وحل هذا الموضوع المستهلك في قاع قصيدته، مع أنه يمتلك طاقات شعرية أكبر من أن تحسر في هذه المساحة الضيقة شعرياً، ولا شك أن هذه الطاقات الإبداعية لدى حامد تحتاج إلى تنفيس شعري أكبر، يفتح أمامها المجال لمداعبة مختلف الأفكار والمواضيع الشعرية.. والشواهد على هذا الاستهلاك الشعري لموضوع (جحود المحبوبة) غير المقنن لدى حامد زيد كثيرة، ويتعذر حصرها في هذه المساحة، سأكتفي بإيراد بعض الشواهد على سبيل المثال لا الحصر، فنجده يقول:
ما كفاك اللي حصلي قبل ساعة |
ويقول:
انظلمت بعشرة إنسان ما كنت اظلمه |
العشير اللي تبرأ من ضلوع العشير |
ويقول:
والعذاب اللي يذوب فعين من يفقد خليله |
عندي أكبر من عذاب العين لو تفقد نظرها |
والحبيب اللي صدوده مثل مداته جزيله |
صد عني واعرفه لا صد عن حاجه هجرها |
كن روحي يوم حست في جفاه وصعب نيله |
بشرتني بالضياع وشدت العزم لسفرها |
وحامد زيد ذلك الشاعر (الثلاثيني)، من العمر، حظي بحفاوة إعلامية قل أن يجدها من هم في مرحلته الشعرية، وهو بالتأكيد مبدع ويستحق هذا الاحتفاء، إلا أنه ينبغي عليه التعامل مع قصيدته بنظرة أكثر شمولية.. نظرة تكفل لقصيدته الإبداع المنشود، والصوت الشعري غير المحصور في خندق معين، فالتاريخ سيتعامل مع التجربة الشعرية بكل تجرد مما صاحبها من هالات إعلامية أو صحفية، وطالما أن (حامد زيد) شاعر متمكن، ولقصيدته سبك شعري محكم، ولأبياته ترابط متسلسل متقن، فحري به ألا يخاف من التحليق بالهواء، كطير (متفرد) يحلق خارج السرب؛ ذلك لأنه يحمل صوتاً مختلفاً في نبراته ونغماته عن الجميع.. ما زلت أثق في مقدرة (حامد زيد) في الكتابة المتجاوزة، إذا ما انتشل مشاعره من أنقاض الكتابة (لحبيبته الجاحدة)!!.
يا حبيبي لا تواعد مواعيد وتغيب |
دامك تقول المواعيد من غير شهوه |
والله اني من عرفتك وسميتك حبيب |
اسمع بصوت الفناجيل ما شفت قهوه |
|