| |
الوثبة إلى الأمام فهد السعد/مستشار شرعي
|
|
يجيش في خاطري كثير من الأفكار، ويعتمل في نفسي أنواع من العواطف وأنا ألحظ وألاحظ مسيرة الملك الإنسان خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في أنحاء المملكة وربوعها. ولقد كنت أتصور -وأظن أنه تصور كل أحد- أن جولة الملك كانت تنحصر في زيارة إخوانه وأبنائه المواطنين والاطلاع على أحوالهم عن قرب، لكن ذلك التصور بدأ بعد ما شاهدت تنقلاته خطوة خطوة تصوراً مجتزأ غير مستوعب. إن التصور الذي يبدو أكثر شمولية هو أن زيارة الملك تأخذ طابع إعلان نهضة جديدة تستقبلها المملكة. إن المملكة وإن كانت في سابق عهدها قد أسست نهضة التنمية والتطوير، فهي الآن ومن خلال ما أتابع بصدد تأسيس نهضة الصناعة والتقنية الذي يرفعها إلى مصاف الدول المتقدمة في العالم، لا سيما ونحن بحاجة ماسة إلى هذا النوع من التقدم خاصة حين نشاهد العالم من حولنا أو على الأقل في كثير من بقاعه يركض عجلاً نحو الأخذ بأسباب التقنية الحديثة. إنه لن ينفعنا أن نبقى على مواردنا حتى تنضب، بل لابد أن نجعل منها شرارة الانطلاق نحو درجات أعلى من الرقي والتقدم والصناعة والتطور. وهذا ما أحسه في هذه المشروعات الجديدة التي أعلنها خادم الحرمين، وهو الذي أقرأه أيضاً في سطور خطاباته وبين سطور كلماته. وجميل جداً أن يشعر خادم الحرمين الشريفين مواطنيه بما يحمل في نفسه من همّ لتقدم البلاد وإصلاح العباد. لقد قال بعض المفكرين: إن التقدم لن يكون حتى يكون حديث الشعب وفكره. وقال بعضهم: إن التقدم لن يكون حتى ينطلق من التعليم. وحقيقة العبارتين أنهما وجهان لعملة واحدة، أو بالأصح درجتان إحداهما تؤدي إلى الأخرى، فالتعليم الناجح هو الذي يؤدي إلى الفكر الناضج المؤثر والفكر هو الذي يصنع التقدم. ومن خلال ما ألحظ من المشروعات والمدن الصناعية التي أعلن الملك تأسيسها، أجد شيئين هما في الحقيقة قطبا النقلة الكبرى التي يمكن أن تحدث لبلادنا خلال سنوات متى ما صدقنا الله تعالى أولاً ثم صدقنا مع أنفسنا ثانياً. هذان الشيئان هما: الأول المعرفة ممثلة في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي أعلن عنها الملك في جولاته. إن المعرفة وفي الحق وبالحقيقة هي رأس كل حضارة يمكن أن تقوم ثم يمكن أن تزدهر. إن المعرفة هي التي تصنع من اللاشيء شيئاً ومن الشيء أشياء. ومن هنا وليس من هناك قامت دول صناعية لا تملك موارد طبيعية. وحين يقرأ الباحث او المطلع حصص العالم الأول من اقتصاد العالم ثم يقرأ حصته من المعرفة سيجد تقارباً شديداً إن لم يكن تطابقاً بين حصتي الاقتصاد والمعرفة مما يدل على أثر إحداهما في الأخرى. وحينئذ يأتي السؤال: أيّ الحصتين يوجد الأخرى؟ هل المعرفة سبب للاقتصاد أم الاقتصاد سبب للمعرفة؟ إن الذي يتبين عند أول نظرة يتأكد عند آخر نظرة أن المعرفة هي التي تصنع الاقتصاد وتقويه. والشيء الثاني الذي يلاحظه المتابع لهذه المشروعات الجديدة هي أنها عبارة عن نهضة اقتصادية جديدة. ولئن كانت المملكة لها تاريخ مع الاقتصاد إلا أنها وبترامي أطرافها وكثرة مدنها لازالت أرضاً خصبة بكراً تحتاج إلى كثير من الحراثة كي تعطي أكثر مما أعطت، وتنتج أكثر مما أنتجت. إنني أجد في حبة الرمل ثروة، وفي ذرة الهواء ثروة، وإن هذه الثروة وتلك الثروة تكون بلا ثروة حتى نقول إن إنسان المملكة هو الثروة، فلن ينفعنا أن نستثمر في مساحات الأرض ولا فضاءات السماء حتى نستثمر في الإنسان الذي استعمره الله في الأرض وسخر له أسباب السماء. فهنيئاً للمملكة هذا الملك الذي استشهد ربه يوم قال في آخر جولاته: الله يعلم أن كل واحد من أبناء المملكة أعتبره ابناً لي.
|
|
|
| |
|