| |
ليكون الخير خيراً أمل الفاران
|
|
نحن شعب متدين، وعليه فنحن شعب مرتهن لعمل الخير فطرةً وعادة.. المشكلة في عملنا للخير، فنحن نعتقد أن العطاء المادي العيني هو وجهه الوحيد، وعليه فنحن دوماً نقدم السمكة، ولا نعلم الصيد، هذا من جهة. من جهة ثانية نحن ننطلق في عمل الخير من قناعة محددة هي (ولا تعلم شمالك ما قدمت يمينك) وهذه ميزة جيدة تحمي حواف هذا الخير من شائبة المن أو شبهة الرياء، ولكن إذا جمعنا الاثنتين وبحثنا في النتائج وجدنا أمرنا عجباً، فما نفعله لا يكفي، مثلاً لو نظرنا لجهدنا في مكافحة الفقر لرأيناه متفشياً حداً استدعى اهتمام أعلى سلطة في البلد (الملك عبدالله بن عبدالعزيز) لإنشاء صندوق خاص للقضاء عليه، وهو هدف لا يبدو قريب التحقيق. نحتاج إستراتيجيات جديدة في مواجهة قضايانا الملحة، والتعامل معها تعاملاً بناءً يضع الأهداف النبيلة محل تنفيذ يضمن تحقيقها، علينا توجيه أنظار المجتمع وجهتها المفيدة أكثر، والاستفادة من نوازع الخير فيه، وتحويل أفراده إلى طاقات أكثر إيجابية وفاعلية. نحتاج النظر حيث لم يسبق لنا النظر، وفعل ما لم يسبق لنا فعله: بتشجيع وتسهيل قيام مؤسسات مدنية ذات هم إنساني لإعادة التأهيل مثلاً أو تبني مواهب معينة أو التأهيل لحرفة ما شابه وتشجيع توجيه الزكاة والصدقات لها، مع إقامة رقابة حكومية عالية عليها للتأكد من حسن تسيير ما يردها. ربط عقوبات الجانحين بالعمل الخيري وخدمة المجتمع وتحويل جانب منها (بالنسبة لغير ذوي السوابق والأحداث) من قضاء المدة في السجون بين المجرمين إلى تقديم خدمة اجتماعية محددة تعود بالنفع المادي على المجتمع، وبالفائدة النفسية للقائم بها. ثم نقطة أخرى مهمة هي خاصة بالنخب الاجتماعية وأتكلم هنا عن مشاهير هذه النخب كل في مجاله: العلمي، الفني، السياسي، الاقتصادي، الإعلامي، والرياضي، فعلى هؤلاء تبني قضايا المجتمع الملحة لتوعية الجموع بها وتقديم الأسوة الحسنة فيما يختص بالتعامل معها، ولعلكم تلاحظون مثلي انفصال كثير منها عن المجتمع الذي يدعم تفوقها وامتيازها، ولدفع هذه النخب أكثر بصوب هذا الهدف يجب ربط صورة النجم الاجتماعي بما يقدمه من عمل خيري، وجعل تبنيه قضايا مجتمعه شرطاً لازماً في سيرته، إلى أن يصبح التفاعل مع قضايا المجتمع شرطاً من شروط احترامنا لرموزنا. ورغم أني أقر بوجود الكثير من المتفاعلين مع القضايا سراً أو جهاراً، إلا أن نخبنا عادة بين مسارين سيئين: نخب تترفع عن ملامسة الهم اليومي، ونخب تنساق وراء أكثر اليومي سطحية، والنتيجة بُعد هؤلاء وأولئك عن قضايا كان يمكن أن يكون تأثيرهم فيها خطيراً. هنا أحمل الإعلام الدور الأكبر باعتباره القادر الجاهز على إحداث الفرق، فهو من يجب أن يلح على هذا الدور المهمل للنخب وهو من يمكنه جعله شرطاً لرفعها، وهو من يستطيع استدراج النخب للتفاعل لا بالسؤال المكرر عن آرائهم في القضايا المطروحة أسئلة تساهم في تعاليهم على الفعل بل بالسؤال عما فعلوا حتى يصبح العمل التطوعي سمة حضارية للمجتمع بأسره. ولا ينعدل الحال المقلوب حتى نؤمن أن ليس في الأمر منة لمن يشارك، وأن نعد عدم المشاركة عيباً، حتى يصبح جزءاً من ثقافة المجتمع إيمانه بحقه على رموزه التواجد في قضاياه. يجب أن يتواجد هذا الحس لدى رموزنا، ويجب أن يوجد هذا الإلحاح من الإعلام على الرموز لتقوم بدورها، ليتحقق الهدف النهائي بأن يبدأ المجتمع بالضغط على النخب لتقوم بهذا الدور، مشترطاً في تكريمه وتقديره للرمز تفاعله مع قضايا مجتمعه، وأن ينظر لمساهمته الاجتماعية (أياً كان تخصصه) باعتبارها فرضاً عليه.. الدور البسيط حين يقوم به الرمز سيغير حركة المجتمع، فئة قليلة في كل نخبة كافية لإحداث الفرق، الجانب الإنساني لهؤلاء يجب أن يبرز، لا نريد من الفنان فنه فقط بل إنسانيته أيضاً، ولا نريد من الرياضي مجهوده بل إنسانيته أيضاً. ماذا لو أقام المبدع (النجم) أمسية في مؤسسة رائدة جاعلاً عائدها لصالحها، منبهاً لجهدها؟ ماذا لو تبرع لاعب كرة بمكافأة فوز في مباراة مهمة لمؤسسة خيرية معينة أو لصالح مشروع خيري معلناً ذلك على الملأ؟ سيكون بفعله قد ساهم أكثر من مساهمة، مساهمته القليلة مادياً ستفيد وستشجع غيره لافتةً النظر للقضية التي يتبناها، فينظر لها الإعلام بتركيز أكبر، ويدفع هذا معجبيه ومشجعيه بعيداً عن شراء تذكاراته وصوره إلى تبني القضية التي يتبناها حتى لو بشراء التذكارات معلناً أن مردودها سيوجه لعمل خيري يسميه باسمه. ما الذي يمنع رجل الأعمال من أن يعلن عن تخصيص جزء من أمواله لمشروع غير ربحي؟ قد يُقال إن العمل هنا يدخله دائرة الرياء والسمعة، وأقول العمل بالنية وإن كان في إظهار الإحسان عوائد أفضل من كتمانه فهو الواجب. القضايا كثيرة، والفعل قليل، كلمة في محفل أو ارتداء شعار، تَصرُّفٌ بسيط كهذا يحدث الفرق، لو علقت شركة نقل عبارة تخص قضية اجتماعية ملحة في حافلاتها، لو زار فنان دار رعاية بعد التقصي واكتشف كم هي رائدة وحرص على تغطية الزيارة إعلامياً لأحدث فرقاً. لماذا نترك التفاعل مع كل القضايا للإعلام؟ ولماذا لا يستدرج الإعلام النخب للمشاركة؟ متى تنتقل المشاركة من كونها فعلاً خيرياً سرياً أو تفضل إلى واجب؟.
|
|
|
| |
|