| |
ثقافة للحوار مع الذات د. وحيد بن حمزة عبد الله هاشم
|
|
غاية الإنسان في الحياة تحقيق السعادة والطمأنينة والرفاهية، وهي أهداف لا يمكن أن تتحقق إلا بتحقيق الأمن والاستقرار، والأخيران يصعب بل ينتفي وجودهما في المجتمع الإنساني المضطرب غير المستقر، وأيضاً في المجتمع الذي تغيب عنه الفضيلة، وتتنامى في أرجائه الرذيلة والفساد، وينتشر الظلم في معظم رحابه. ولكون العدالة الاجتماعية لا تقلّ أهمية عن العدالة السياسية وعن العدالة الاقتصادية لأي مجتمع إنساني فإن جميع أنواع العدالة يستحيل أن توجد في ظل هيمنة الفكر الأحادي المتطرف، سواء كان ذلك الفكر نتاج معضلة المرتجع العقائدي أو بفعل تحفيز غاصب من جموح أو جنوح الجشع الإنساني. أخيراً، قد يكون فكر التطرف الآحادي نتيجة لتحريك سلبي من تراكمات للكمون النفسي الذي دائماً ما يدفع بصاحبه (وبأصحابه) بعيداً كل البعد عن مطلب التوازن العقلي المستقيم، فيما أن الكمون النفسي ذاته يعد نتاجاً مباشراً لحقب طويلة من الاحتقان أو الاستلاب الفكري. وبفعل تفشّي الفساد الاجتماعي أو السياسي (الذي ينتج عن هيمنة عامل الخواء الروحي على الأخلاقيات الإنسانية) تنتهك القلة القليلة القيم والتقاليد والعادات والأخلاقيات وتسهم في إضعافها، وربما القضاء عليها، غير عابئة بما كان لها من دور مباشر طبيعي لقرون طويلة في الحفاظ على تماسك المجتمعات الإنسانية وضمان استمراريتها. هنا تحديداً تلعب العملية التربوية والتعليمية دوراً استراتيجياً حساساً في صناعة الفضيلة أو في بثّ نقائضها، فكلما كانت المناهج التربوية والتعليمية الإسلامية موزونة ومتنوعة، تحتوي على جرعات ضخمة من قيم ومبادئ العدالة والإنصاف، وتلقّن للأجيال الشابة منذ نعومة أظفارها وفقاً لآلية وشفافية النقاش والحوار الهادف والنقد الموضوعي - توسّعت مدارك العقول الشابة وساهمت في تقدم وعيها الوطني بحقائق الأمور وزودتها بالمعرفة العلمية لتفادي سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها. بل كلما توازنت وتنوعت واعتدلت المناهج التعليمية والتربوية قلّت نسبة التشدّد والتطرّف في الفكر الإنساني وانخفضت معاناة التحسّس الشديدة وما يتمخض عنها من مشاعر التقوقع والخنوع، أو مشاعر الضعف والتراجع، أو حتى مشاعر الضعف والهوان التي تصوّر لأصحابها أنهم ضحايا لمؤامرات دولية أو إقليمية خطيرة. وتلوح مؤشّرات الخطر الاجتماعي أكثر في مسيرة المجتمعات الإنسانية عندما تتباين المواقف وتتناقض التوجهات وتتعارض المصالح والغايات لغالبية فئات ومستويات البشر بسبب تراكم المشاعر والعواطف والأفكار السلبية في بعض النفوس، وهو المؤشر الفاصل الذي يطلق مارد العنف والإرهاب من قمقمه؛ لهذا كلما تحرّر العقل من القيود ومن العقد ومن أمراض الحقد والاحتقان كان الإنسان أقلّ ميلاً إلى التطرف والانحراف والتشدد والغلو. لهذا فإن تعميم مبدأ الحوار الإسلامي- الإسلامي، ومن ثم الحوار الإسلامي - الغربي، واتساع أعداد وفئات ومستويات المشاركين فيه من مختلف المستويات والفئات؛ يساعد على تقبل الآراء والطروحات مهما اختلفت المرجعيات والمذاهب الفكرية أو العقائدية، كما يساهم في خلق أجواء إيجابية من مشاعر التفاهم المشترك والتعايش المتبادل التي تنمي من استحقاقات التعايش الإنساني المتبادل مع الجميع أياً كانت تلك الاختلافات. وعندما توظّف آليات الحوار المفتوح ومفاهيم ومبادئ الشفافية المطلقة في معالجة الأمور وفي مواجهة التحديات والمخاطر فمن الطبيعي أن تتسع ومن ثم تتضح الرؤية الاجتماعية الكلية للمسار الاجتماعي الصحيح بل والأفضل؛ مما يفعّل من المسيرة الاجتماعية التاريخية في طريق المستقبل، ولا سيما بعد أن يتم تطعيمها بالفكر الإنساني المستنير، وبعد أن تتم عملية تدعيمها بالآراء الإنسانية الموضوعية الصائبة والصحيحة. من هنا فإن وحدة المجتمع الإنساني وتماسكه مرهونة بتكاتف أفراده وتعاضدهم وتعاونهم وانسجامهم في بوتقة مشاعر وهويَّة وشخصية اجتماعية وطنية واحدة. من هنا يمكن القول ختاماً: إن نمو المجتمع الإنساني وازدهاره وتطوره لتحقيق أهداف التقدم والرقي لا يتحقق إلا بجهود أبنائه المخلصين بما يشاركون به من فكر مستنير ومن آراء صائبة وما يقدمونه للمجتمع ولأجيال الغد من جهود خيرة واقتراحات بنّاءة وتصوّرات مبدعة.
|
|
|
| |
|