| |
تونس: إصلاحات سياسية شاملة
|
|
* تونس - جاسر الجاسر: بمناسبة الاحتفال بالذكرى التاسعة والأربعين لاعلان النظام الجمهوري في تونس وكان ذلك يوم 25 يوليو الماضي ألقى الرئيس التونسي زين العابدين بن علي خطاباً أكد فيه على جملة من الثوابت والمبادئ تعكس مقومات المشروع السياسي في تونس أهمها المسار الديمقراطي التعددي الذي أقيم على استراتيجية رصينة تلتزم بالحرية والمسؤولية وتنزل احترام القانون منزلة عليا للمحافظة على سلامة البلاد واستقرارها هذا فضلاً عن ضمان حقوق الإنسان التي تظل في شموليتها وكما قال رئيس البلاد (جزءاً لا يتجزأ من المشروع الديمقراطي لتونس) وتحذير مقومات المجتمع المدني الفاعل والمسؤول وصيانة الحريات العامة والفردية في ظل سيادة الشعب واحترام إرادته. ومنذ اليوم الأول الذي تولى فيه الرئيس بن علي مقاليد السلطة في تونس أكد في خطابه التاريخي الموجه لشعبه يوم 7 نوفمبر 1987 أن هذا الشعب جدير بحياة سياسية متطورة ومنظمة تستند إلى مفاهيم وقيم مرجعية منطلقها وطني بالأساس ومن هذا المنطلق بادر الرئيس بن علي خلال عام 1988 بتعديل الفصل الـ40 من الدستور الذي سبق أن نص على الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية بما أعاد للنظام الجمهوري اعتباره وللشعب سيادته وللاستقلال قيمته وبعد حوالي سنة من التعديل الدستوري أجريت في تونس أول انتخابات رئاسية تعددية (اكتوبر 1999). ومنذ ذلك التاريخ تتالت الاجراءات والمبادرات الرئاسية الهادفة إلى تكريس قيم الجمهورية وأهدافها من خلال ارساء دولة القانون والمؤسسات والعمل على توفير أرضية صلبة للبناء الديمقراطي التعددي الذي ما فتىء يتعزز باطراد ضمن نظرة استشرافية ثاقبة تعتبر الاصلاح السياسي خياراً ثابتاً ومساراً لا يتوقف وبذلك تتالت التشريعات والتنقيحات التي شملت إلى جانب الدستور القانون الانتخابي وقانون الجمعيات وقانون الأحزاب وقانون الأحوال الشخصية وغيرها من النصوص التشريعية التي هدفت إلى تكريس الحريات ودعم الحياة الديمقراطية والتعددية السياسية في البلاد. هذا وقد طالت التنقيحات وعلاوة على الفصل الـ40 من الدستور نصف فصول الدستور الأخرى والتي شملت بالخصوص حماية الحريات والحياة الخاصة وحرية الاتصالات والمعطيات الشخصية والتنصيص على الضمانات المكفولة للمتقاضين إلى جانب تكريس كرامة الفرد وترسيخ قيم الولاء لتونس والتسامح والاعتدال. وانسجاماً مع هذه التنقيحات والتعديلات صدر في 3 مايو 1988 قانون جديد للأحزاب السياسية الذي مكن من ضبط شروط تأسيسها وممارسة نشاطها ويوجد اليوم في تونس 9 أحزاب سياسية معترف بها قانونياً وهي: الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) وحزبان معارضان ينشطان منذ العهد البورقيبي وهي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقاً) أما الأحزاب الستة الباقية فقد تأسست في عهد الرئيس بن علي آخرها حزب الخضر للتقدم.. هذه الأحزاب التي أصبحت ومع ترسيخ أقدامها في الساحة السياسية التونسية ممثلة في مجلس النواب وفي المجالس البلدية تحظى بدعم الدولة المادي السنوي حتى تتوفر لها قدرات أفضل للعمل والنشاط من خلال الترفيع في منح الدولة المخصصة لها كما تحظى الصحف الناطقة باسم هذه الأحزاب بدعم مادي لضمان استمرارية صدورها. والتعددية السياسية كممارسة لم تقتصر فقط على الجانب التشريعي والاجرائي في تونس بل أصبحت ممارسة عملية تجلت من خلال العملية الانتخابية التي شهدت في بداياتها تنافساً بين الأحزاب السياسية خلال الانتخابات التشريعية لعام 1989 ثم تلتها انتخابات عام 1994م التي شهدت ولأول مرة في تونس تكريس نظام النسبية الذي خول للمعارضة دخول البرلمان. أما انتخابات عام 1999 فقد كانت مميزة حيث شهدت ولأول مرة تكريس مبدأ التعددية والمنافسة الحقيقية. وانسجاماً مع هذا الواقع السياسي الجديد بادر بن علي بتعديل النص الدستوري المنظم للعملية الانتخابية في عدة مناسبات بهدف توفير الضمانات اللازمة للناخبين ولعل أبرزها التعديل الذي أقر في 4 اغسطس 2004م الذي حدد فترة انتخاب رئيس الجمهورية في دورتين وأقر توسيع صلاحيات المجلس الدستوري لتشمل مراقبة العملية الانتخابية فضلاً عن اقرار تركيز مرصد وطني للانتخابات مهمته متابعة مختلف مراحل العملية الانتخابية سواء كانت تشريعية أو رئاسية، وقد بادر هذا المرصد بالقيام بمهامه في 3 مناسبات هي: الانتخابات التشريعية والرئاسية التي نظمت عام 2004م والانتخابات البلدية ثم انتخابات أعضاء مجلس المستشارين التي تمت عام 2005م. والممارسة الديمقراطية في تونس لم تقتصر على الجانب الانتخابي بل تعدتها إلى اشراك مختلف الأحزاب السياسية والعديد من المنظمات ذات الصبغة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى المهنية وعدد من مكونات المجتمع المدني في عمليات استشارة واسعة تتعلق بالمخططات التنموية. وفي اطار عمليات الاستشارة هذه التي أصبحت تقليداً ديمقراطياً راسخاً تأسس مجلس المستشارين وهو بمثابة الغرفة البرلمانية الثانية في تونس إلى جانب مجلس النواب وتم انتخاب أعضاء هذا المجلس في 3 يوليو 2005م. وحرصاً من السلطات في تونس على مزيد من توفير قنوات الاتصال وتوسيعها مع القوى السياسية التونسية لمتابعة اهتماماتها بادر الرئيس بن علي بتكليف رئيس (الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية) بمهمة استقبال مكونات المجتمع المدني وممثلي أحزاب المعارضة وكتابة تقارير بشأنها يتم رفعها إلى رئيس الدولة مباشرة لاتخاذ الاجراءات المناسبة.
|
|
|
| |
|