لقد عشق الإنسان السفر وقام بالرحلة من مكان إلى مكان منذ أقدم العصور.
ويتساءل كثير من الباحثين عن أدب الرحلات ودوره في تاريخ الأدب العربي، لقد كانت الرحلات عنصراً أدبياً قوياً في حياة المجتمع الإسلامي في عصوره الزاهرة ولقد ترك الرحالة ثروة من العلم لا تقدر بثمن ولو استعرضنا عمالقة أدب الرحلات وروادها لوجدنا أنهم تركوا للأمة من خلال رحلاتهم ثروة علمية وتاريخية وجغرافية وأدبية حافلة بكل ما لذ وطاب من أشعار قيمة وأخبار وأعلام وآثار وجبال وأودية وتراجم وفكر وثقافة وعلم وأدب.
ولقد أمد الكثير من الرحالة الثقافة العربية بثروة فكرية وتاريخية وجغرافية وجمعوا قدراً كبيراً من المعلومات وتظل أخبار الرحالة ورحلاتهم مصدراً من أهم مصادر المعرفة علماً وثقافة وخبرة وتجربة.
إن الرحلات من أوسع أبواب المعرفة والثقافة الإنسانية لكشف المجهول والوصول إلى الغاية ومعرفة الحقيقة والاستمتاع بالتاريخ والآثار والطبيعة ولقد شغف الكثير بأدب الرحلات لأنه أدب ممتع وشهي وقد فطر الله الإنسان على البحث المستمر عن الحقيقة وحب المعرفة والاستطلاع والتعرف على هذه الدنيا ومظاهر الحياة فيها وما تزخر به جبال ووهاد وبحار وإنسان ونبات وآثار وحيوان.. الخ، فسلك فجاج الأرض ومفاوز الصحراء وركب متن البحر وتعرض لوحشة الأجواء والمحيطات وما تنطوي عليه من المخاطر والمتاعب وما يواجه من لفحات الهجير وشدة البرد والثلج والزمهرير وتردد الكثيرون على الأسفار وعشقوا الرحلات ولم يبالوا بالأهوال والأخطار بل عشقوا حب المغامرة إذ هي وسيلة إلى المعرفة والبحث وارتياد المجهول.
ولقد عني أسلافنا بالرحلات واهتموا بشأنها فسافروا من بلد إلى بلد لحضور مجالس العلم والأدب أو توثيق الأخبار والأحاديث ووصفوا الطرق والمعالم والناس وجابوا الأقطار والأمصار وتنقلوا بين المنازل والمسالك والديار ووصفوا الطرق وأحوال الأمم فتركوا آثاراً خالدة في التاريخ والأدب والجغرافيا الوصفية.. فوصفوا ما شاهدوه ودونوا ما رأوه بكل دقة وحصافة.. فأصبحت آثارهم معالم يهتدى بها حيث دونوا ثقافات الأمم وحضارتها وعلومها وأدبها وسجلوا ملاحظاتهم وتحليلاتهم فأسهموا بذلك في خدمة العلم والفكر وتنوير الأذهان والترويح إلى كل ما ينعش النفس ويبهج القلب.
وهكذا سيظل أدب الرحلات رافداً من روافد المعرفة والثقافة والأدب والتاريخ بحيث يحلق الرحالة في أجواء مختلفة وخواطر متفرقة ولا تقف عند الانسجام والمتعة فحسب وإنما تهدف إلى الأسوة والقدوة.. إلى العظة والعبرة وإلى ما يترك أثراً خالداً يعود بالفائدة والأسوة الحسنة. وفي كتب الرحلات فوائد مضاعفة لأنك تلتقي بالناس وتتعرف على الثقافات والبلدان خلال ذلك. والرحلات كما يقال شيء ثابت لا يأكله الدهر وهي باب من أبواب المعرفة وطلب العلم.. والثقافة وقد قيل: