| |
الحوار وأثره في التربية د. سعد محمد الفياض
|
|
يقول الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}إن هذه السورة، سورة المجادلة التي افتتحت بهذه الشكوى من تلك المرأة المسلمة خولة بنت ثعلبة والتي تشتكي من زوجها الصحابي الجليل أوس بن الصامت عندما ظاهر منها نلاحظ أن هذه القصة قامت على النقاش والحوار المتبادل بين النبي صلى الله عليه وسلم وخولة بنت ثعلبة. إن العلاقة بين المربي والمتربي والمعلم والمتعلم يجب أن تكون قائمة على الود والتفاهم والاحترام والتقدير، وعلى المربي أن ينظر لطفله أو تلميذه بنظرة الرحمة والشفقة والحرص عليه.. (فلو أن أحدنا اتخذ عبارة (إن الطفل كالنبتة ينمو شيئاً فشيئاً) شعاراً لتربية أولاده خلال اليوم، لكان أحلم ألين في تعامله معهم، فأبناؤنا تتكون معلوماتهم ومعتقداتهم شيئاً فشيئاً بالفعل، ومهمة المربي حين يعطي معلومة، أو يدرب على مهارة، أو ينمي اتجاهاً ومعتقداً، ليست بالمهمة اليسيرة، فهي تستلزم منه مهارة التربية المبدعة، والصبر والمرونة، والوقت الطويل والجهد العظيم، مع تقديم القدوة الصالحة لمن بربي، فحين يحاور المربي الطفل بوجهه ويعلمه، وينمي خياله وإبداعه وثقته بنفسه.. وحين يسأل الطفل يجيب المربي بكل ثقة وترحيب، وحين يأمر وينهي يختار الأسلوب والوقت والطلب المناسب) بل إن المربي عندما يأمر طفله بأمر أو ينهاه عن شيءٍ فإنه لابد من المحاورة والصدق في الحوار لبيان أسباب أمره ونتائج هذا الأمر، كذلك أسباب نهيه ونتائج هذا النهي لابد أن يفهم الطفل وكلٌ على حسب عمره لماذا تأمرني ولماذا تنهاني؟؟، لابد من لغة للحوار لغة الصدق والإقناع والتوضيح والبيان لا لغة الاستبداد والتعالي وغلبة القوي على الضعيف. فالحوار - أيها التربويون - أمر مهم وخصوصاً في هذا الوقت الذي توسعت فيه مدارك المتربين واتسعت آفاقهم لابد أن نبين، الحق من الباطل، والصدق من الكذب، والصح من الخطأ، وذلك كله لا يكون إلا بالحوار والشفافية والوضوح معهم (يقول الذر نوجي: إن قضاء ساعة واحدة في المناظرة والمناقشة، أجدى على المتعلم من قضاء شهر بأكمله في الحفظ والتكرار إن الحوار مع الأبناء شكل من أشكال الفهم والتفاهم وهو ليس سؤالاً وجواباً فحسب، بل هو إضافة كبيرة للطفل تستهدف بناءه، ولابد أن يقوم الحوار بين الوالدين مع أبنائهما على أساسين مهمين هما: 1- احترام الأبناء في حوارهما للوالدين. 2 - فهم الوالدين للأبناء، واحترام شخصياتهم، والابتعاد قدر الإمكان عن اللوم والانتقاد. أيها الآباء أيها المربون: لو تأمل كل واحدٍ ما يجري بين الوالد وولده والمعلم وتلميذه، لرأيتهم شيئاً عجيباً، وأمراً غريباً، إنه الحديث بين جيلين، لذا فالتخاطب بين عصرين يجب أن يكون مبنياً على الثقة، ومحاطاً بسياج الأبوة والبنوة، وما يعقل هذا إلا العالمون. إن الفرق بين تأثير كلمة وأخرى، يكمن في اختيار الكلمة في الوقت المناسب، وتكمن المشكلة الحقيقية في تواصلنا مع الأبناء في الرد بنفس الأنماط المختزنة في الذاكرة من النماذج التي تعرضنا لها في خلال مراحل الحياة المختلفة، وأغلبنا يحاور دون ترك مساحة للتفكير في أسلوب الحوار الأكثر فاعلية، ولا بد أن نعلم أن حوارنا اليومي مع الطفل يقضي حتماً لأحد هذه النتائج الثلاث: (الخلاف - التباعد - التقارب والانسجام). لذا فإن خبراء التربية يطلبون من الأبوين - أثناء حوارهم مع أولادهم - أن يبتعدوا عن الرسائل الشفوية كالرسائل الافتراضية، والتوجيهية والترقبية، والانتقادية، أو رسائل التسكيت، أو رسائل التحقيق، هل أنت؟ لماذا؟ هيا أخبرني. أما الرسائل الإيجابية التي تدفع الأبناء نحو السلوك الإيجابي، والتي يجب أن نتخاطب بها معهم كالرسائل الاستفهامية أو الرسائل التشجيعية، رسائل التهنئة، الرسائل التي تظهر الاحترام لرأيه والتقدير لشخصيته. فمن الرسائل الاستفهامية في الحوار التي لها بالغ الأثر في حث المتربي والمتلقي على الانتباه والإنصات لما نقول، من ذلك سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً فقال: من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، ومثلها مثل المسلم، فاخبروني ما هي؟ قال ابن عمر - راوي الحديث - فذهب الناس في شجر البوادي، فذهب وهلي إلى أنها النخلة، وكنت أصغر القوم فاستحيت، فقال - صلى الله عليه وسلم: إنها النخلة، وما أحوج الأمة في هذه المرحلة إلى التربي على المنهج العلمي، وعدم الوقوف عند حفظ المسائل المجردة، والله تعالى قد حثنا على التفكير والتدبر وإعمال العقل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) ويقول سبحانه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا). كذلك وكما حرص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أسلوب الاستفهام في تعليمه وتربيته للأمة كان يحرص على أسلوب التشجيع والثناء على إجاباتهم وأسئلتهم، سأله أبو هريرة رضي الله عنه يوماً من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد ظننت أن لا يسألني أحد عن هذا الحديث أول منك لما علمت من حرصك على الحديث). فتخيل معي أخي المربي: موقف أبي هريرة رضي الله عنه وهو يسمع هذا الثناء، وهذه الشهادة من أستاذ الأساتذة وشيخ المشايخ صلى الله عليه وسلم بحرصه على العلم بل وتفوقه على الكثير من أقرانه وتصور كيف يكون أثر هذا الشعور دافعاً لمزيدٍ من الحرص والاجتهاد، وحيث سال أبي بن كعب (أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم) فقال أبي - آية الكرسي - فقال له صلى الله عليه وسلم: (ليهنك العلم أبا المنذر). وختاماً فالحديث مع الأبناء فن قائم على القواعد والرموز الخاصة به، فالأطفال نادراً ما يطرحون أسئلتهم بسذاجة، لأنهم يقصدون من ورائها معاني تتطلب من آبائهم مهارة خاصة لفهمها، لكي يصلوا إلى إدراكها وإشباعها، فترتاح نفوس أبنائهم الحائرة، فلا نكتفي بسماع حديثه، بل نبادر إلى فتح الحوار معه، خصوصاً أن العلم أكد أن الحوار يعلم الطفل طلاقة الكلام، ويساعده على ترتيب أفكاره، ويمرنه على الإصغاء والفهم وتنمية الشخصية، وتقوية الذاكرة، والاستماع لحديث الأبناء ثم فهمهم، مهارة يجب أن نتعلمها، وشفرة يجب على المربي فكها، لذا استمع أخي المستمع لابنك جيداً، ولاحظ كل تغييرات وجهه، والطريقة التي يقف بها، وحدة الصوت ودرجة ارتفاعه، وانظر إليه باهتمام، فقد اثبتت الأبحاث أن الكلمات التي تُقال تنقل فقط 20% من المعنى المراد إيصاله، و80% ينتقل من خلال التعبيرات المختلفة بأعضاء الجسم والوجه، ولنحذر من مقاطعته أو تصويب أقواله مباشرة، بل لا بد من إبداء ملامح وعبارات الإعجاب: أحسنت، عظيم، رائع، ما شاء الله، وصدق الله تعالى إذ يقول في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} ختاماً أسأل الله أن يوفقنا وأبناءنا لما يحبه ويرضاه (اللهم ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وزارة التربية والتعليم
|
|
|
| |
|