استمعت مثل غيري إلى مواد نظام هيئة البيعة وتشكيل الهيئة لغرض تأطير تسلسل الحكم في المملكة العربية السعودية للقضاء على أي فراغ قيادي ممثل قد يطرأ في المستقبل ووضع أسس لانتقال السلطة بيسر وسهولة وفق نظام متفق عليه من الأطراف ذات العلاقة.
والحقيقة أن ما تم يعد إنجازاً متميزاً يضع الأمور في نصابها ويأخذ في الاعتبار مستجدات الأحداث على المدى القريب والبعيد، وبذا ترتاح النفوس ويطمئن على وضع البلاد القيادي ويقضي على التكهنات والإشاعات التي يتناقلها البعض وخصوصاً ذوي الأغراض السيئة من خارج المملكة ممن يحلو لهم الاصطياد في المياه العكرة.
وقد سمعت رأياً لأحد السفراء الغربيين السابقين في المملكة يقول فيه إن غياب التنظيم الخاص بانتقال السلطة في المملكة قد يضعها في مهب الريح على حد رأيه. والحقيقة أن النظام موجود ضمناً وإن لم يكن مكتوباً، ولكن ما وجد الآن يُخرس ألسنة الحاقدين على هذه البلاد وحكامها وأهلها.
لقد جاء النظام متكاملاً عالج كل الاحتمالات ووضع لكل أسلوب الأخذ به، يهدف إلى إرساء دعائم الحكم والمحافظة على ثوابت المملكة وأساسها الدين الإسلامي منهجاً وعقيدة ودعائمها وحدة البلاد وأمنه واستقراره.
أهم ما يميز قادة هذه البلاد المباركة، ولله الحمد، وحدة الكلمة حتى في أحلك الظروف، يظن الآخرون وعامة الناس أن هناك اختلافاً في الرأي وتفرقاً في الوجهة، ولكن يفاجأ الجميع بالاتفاق حتى على أدق التفاصيل، وهذا سر استقرار الوضع السياسي في المملكة.
لقد مر بالعالم العربي وبالدول المجاورة تحديداً عواصف سياسية واهتزاز لأنظمة الحكم أثر سلباً على سيرتها الاجتماعية ونظامها الاقتصادي مع ما يتمتع به بعض هذه الدول من خيرات وثروات طبيعية وعوامل ازدهارها وتقدم ولكن كل ذلك لم يشفع لها لمواصلة تطورها التنموي.
المملكة بفضل الله ثم بفضل حنكة وحكمة قادتها ظلت بمنى عن هذه الزوابع وبقي نظامها السياسي صامداً لا تهزه الرياح، واستمرت مسيرة التقدم على كافة الأصعدة. الآن يأتي نظام البيعة وتشكيل المجلس ليضع النقاط على الحروف لتكون الأمور أكثر وضوحاً وشفافيةً.
الغريب في الأمر صمت وسائل الإعلام الخارجية وخصوصاً الفضائيات التي تعودنا منها نقد المملكة في كل شاردةٍ وواردةٍ وتحميلها الأخطاء حتى أخطاء الغير. لم تتناول النظام ولم تجد فيه توجهاً إيجابياً يُسجل للمملكة، ربما لأنهم وجدوه متكاملاً شاملاً يؤسس للمستقبل القريب والبعيد ولكن هذا متوقع منهم لأن:
عين الرضا عن كل عيب كليلة |
ولكن عين السخط تبدي المساويا |
من الصعب عليهم امتداح النظام ودوره في استقرار المملكة بل والدول المحيطة فقد كانوا يراهنون على الأسوأ، فخيب هذا النظام آمالهم وأصابهم بالخرس.
فالمملكة - إن شاء الله - باقية ونظام الحكم مستمر فما عساهم قائلين، الصمت لهم أجدى وأنفع.
وإذا كان لهذه المحطات عذرها فما عذر وسائل الإعلام في المملكة المقروءة والمسموعة والمشاهدة من تناول النظام بالتحليل والمناقشة، ألسنا جميعاً نتطلع إلى هذا النظام لمصلحة الوطن والمواطنين، كنت أتوقع من الباحثين والمختصين في العلوم الشرعية والقانونية والسياسية وجميع المهن ذات العلاقة أن يكون موضوعاً دسماً يتبارى فيه هؤلاء بالدراسة والتمحيص كما يجب أن نعقد لها المؤتمرات والندوات وتقدم فيه البحوث والمداخلات، قد يقول قائل إن الوقت ما زال مبكراً، وأنا هنا أدعو الجميع وخصوصاً الجامعات إلى المبادرة بعقد الأنشطة العلمية التي تتناول الموضوع وتقدم له الشروحات والتفصيلات اللازمة.
بل إنه من الممكن أن يكون موضوعاً لإطروحات ورسائل ماجستير ودكتوراه في مجال الفقه التشريعي والعلوم السياسية والقانونية والإعلامية وغيرها من التخصصات العلمية المختلفة، كل يتناوله من واقع اختصاصه، مما يساعد على فهمه وتطويره وإضافة ما قد يراه الباحثون والمختصون إلى بعض مواده.
أعتقد أن رسائل دكتوراه من طلاب متميزين تناول مواد النظام بالدراسة والتحليل والمناقشة وتحديد بعض المفاهيم يمكن أن يكون إنجازاً علمياً يخدم الهدف الأساس من النظام وبالأخص عندما يتم تناوله من قِبل أكثر من تخصص، هذا ما أرجو أن تتجه له جامعاتنا والدراسات العليا بهذه الجامعات.
ما يهمني كمواطن أن النظام مهم جداً لمستقبل البلاد ويجب أن ينال حقه من الاهتمام ، كما يصلح أن يكون مادة تدرس في الجامعات في التخصصات ذات العلاقة.
حقيقة أنا معجب بالنظام وفرح لصدوره وأشكر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله- وكل من ساهم بوضعه وإخراجه إلى حيز الوجود، وأرجو الله العلي القدير أن يديم لبلادنا العزيزة على قلوبنا نعمة الأمن والاستقرار والرخاء واجتماع الكلمة على الخير لصالح أبناء المملكة وللعالم العربي والإسلامي والصديق لأن استقرار وأمن المملكة يهم العالم الإسلامي لوجود الحرمين الشريفين بأرضها والأمن مطلب رئيس لكل مسلم يحب بلاد الحرمين الشريفين ويتوق إلى أداء فريضة الحج والعمرة، كما أن المملكة موقعها الاستراتيجي المهم بما تحتويه أراضيها من ثروات بترولية تهم العالم أجمع فيما يتعلق بالطاقة البترولية، واستقرار أسعار البترول يهم كل فرد في العالم. لا غرابةَ أن يأتي هذا النظام معززاً لثقة العالم بالمملكة وقادتها وتتويجاً لإنجازاتها التنموية والتشريعية.
ولي ملاحظة أخيرة لاتتعلق بمواد النظام وتشكيل الهيئة ولكن بأسلوب إعلانه، كنت أتمنى لو أن النظام قُدم من قِبل شخصية لها وزنها الفقهي والشرعي بالمملكة مثل فضيلة الدكتور صالح بن حميد رئيس مجلس الشورى أو فضيلة الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى.
وهذا ليس تقليلاً من قيمة أحد لا سمح الله ولكنني أرى أن النظام تشريعي وليس مادةً إعلاميةً ولا بياناً ختامياً لاجتماع مسؤولين أو قادة بل نظام أساس للحكم وانتقال السلطة من خير خلف لخير سلف -إن شاء الله-.
|