| |
أعذب الشواطئ
|
|
هناك.. عند ذلك البحر المتقلب، عند بداية الشاطئ، ونهاية تكسر أمواج ذلك الغدار، أقف هناك، أنظر إلى ذلك المشهد الذي يتكرر علينا كل يوم، ألا وهو الغروب، لا أدري، إلى ماذا أنظر بالضبط، فتركيزي في ذلك الخط الذي يقسم السماء قسمين، من أعلاه منظر الغروب، ومن أسفله ذلك الهائج. أركز فيه ويشغل عقلي منظر الشمس في غروبها، أنظر إلى ذلك الخط، وفي قدميّ حس بارتطام نهاية الأمواج الصغيرة بقدميّ، جلست، عفواً.. لا بل سقطت على قدميّ، ولا أعتبر ذلك جلوسا، لأني لا أظن من تمعن في ذلك المنظر، أو رأى ذلك المعبر، جلس أو أصبح موازيا لتلك الأمواج التي تتكسر، بإرادته وأنا في تلك الحالة، ولا أدري كيف ومتى ولماذا أصبح قلبي متلهفاً ليعانق تلك الرمال، لا أدري وبدون أن أشعر بتلك اللحظة، رأيت نفسي أضع خدي على تلك الرمال الدافئة، أو كما شعرت أنها دافئة، وما زالت تلك الأمواج ترتطم بوجهي لتمسح ما كان عليه من آثار الرمال التي انتقلت إليّ بسبب تلك الرياح، أتمعن في ذلك الموج، إنه كبير، ضخم، إنه يقترب، فكلما رأيته يزداد قربا، أغمضت عينيّ معزيا نفسي بالهلاك، ولكن لا أشعر سوى بتلك الأمواج الصغيرة تداعب خدي المجروح،افتح عينيّ مرة اخرى، كالمولود الجديد في بكرة خروجه الى هذا العالم، فانظر تارة اخرى الى تلك الامواج، فلم يكن في بالي سوى ذلك الانسان وليس أي إنسان، الإنسان الظالم، الحاقد، المتكبر، كثير من الصفات التي اذا حملتها الجبال لسقطت من هولها، وإن كان في ذلك مبالغة فلقد رأيت في تلك الأمواج الهوائل أسوأ ما يتصف المرء به، وكما ذكرت تلك الأمواج تذكرت الظلم والعدوان، وإن كان هذا الهائج مكانا للمحبين والمنغمسين في الحب، فالأمواج مثل الظالم، فمهما كانت قوته وكبر ظلمه، لن يبقى مستمرا، فسوف يقل ويصل إلى حد الانعدام، ليواسي ذلك الجرح الذي تركه على خدي، وأنا ما زلت محدقا في تلك الأمواج الغدارة، ما هذا؟ إنه موج كبير، كبير جداً، عظيم سوف تكون نهاية هذا الكاتب على يدي هذا الهائج، لا أستطيع الهروب، أشعر وكأن الرمال تمسك وتتشبث بي، لقد اقترب، اقترب كثيراً، أغمضت عينيّ، وفي قلبي ذكر ذلك الغفور، التواب، أذكر ما كنت أفعل في ايامي الخوالي من الذنوب والدناءات، وبعد مدة لا أدري كم فترتها، أو ما طول مسافة دربها، فتحت عينيّ، نعم فتحت عينيّ، وليتني لم أفعل ذلك لم أجد فوق رأسي سوى بعض الرجال المسلحين، الذين يربطون على أيديهم ويضعون على رؤوسهم علم ذلك البلد اللعين، أمسكوني، واعتقلوني، والتهمة: تفكير وتأمل دون رخصة!! وهذا أقل أنواع الظلم.
محمد بن حسام الرزاز
|
|
|
| |
|