| |
حماية الوطن.. وخراب الزمن عبدالله بشارة
|
|
في جولات سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر خلال شهر رمضان، كانت وصاياه دائما تأكيد قوة القانون وسيادته وتطبيقه على الجميع، القوي قبل الضعيف، وعلى الشيوخ قبل غيرهم، فلا مكان للتمييز أمام القانون ووصايا الأمير هي أوامر لابد ان تتحول الى تعليمات تصل الى المتعاملين يوميا مع الجمهور ومع الناس، وهي مؤشر على ان القيادة العليا تثمن القانون وتدرك دوره في مسار الدولة. وسمو الأمير رجل معروف عنه بالحقانية وبدعم الحق ونصرة قوانينه، وعندما يتحدث أمام رجال الأمن في ناديهم، فهو يوجه رسالة اليهم والى المجتمع بأنه لا حصانة لمن يريد ان يستخف بضوابط الدولة. وأقوال سمو الأمير ليست من النوع الذي يقال في مظاهر المجاملة، وإنما هي توجيهات سامية لابد أن يأخذها المسؤولون وأولهم الوزراء والمختصون بكل تقدير وجدية. ومع صدور هذا المقال، يبدأ عمل مجلس الأمة الكويتي في فصله الجديد، في أجواء جادة كلها أخطار تهدد المنطقة، أولها العراق وأوضاعه، والاقتتال اليومي فيه واسقاطاته على الأمن الوطني الكوتي، وعلى الحالة الكويتية السياسية والاجتماعية، وثانيها إيران، وبرنامجه السياسي الفوضوي المتحصن ببرنامج التسليح النووي والمطعم بأهداف توسعية لمواجهة الاعتدال الاقليمي وتخريب فرص نجاحه، ثم واقع الشرق الأوسط واليأس الفلسطيني الذي يتسلل من خلاله التطرف والنزعة العدمية.. كل هذه العناصر تؤثر على واقع الكويت وعلى دول مجلس التعاون، وتزيد من قلقها الأمني، وتدفعها نحو تحفيز أدواتها لإبعاد المخاطر. ولنأخذ الكويت مثالا لما يجب أن تكون عليه لتجاوز الأزمات وإبعاد الاهتزازات. أولاً: لابد ان يتم الاتفاق على التعاون الوطيد بين الحكومة والبرلمان، وان يتم ذلك عبر التحالف المدرك والواعي لاحتمالات جر الكويت الى إفرازات ما يحدث في المنطقة والتحالف الواعي المستند على الالتزام الوطني يأخذ الكويت بعيدا عن المواجهات. وقلنا مراراً بأن المواجهات السياسية في الكويت هي وليدة غياب الوقاية النيابية عن الحكومة وعدم قدرتها على الحصول على الغطاء البرلماني الذي تستند عليه كل حكومة في النظام الديمقراطي. والتحالف المطلوب هو الحل الوحيد لمعالجة الأوضاع العامة في الكويت لان دستور الكويت يعطي البرلمان حق المساءلات ولا يوفر للحكومة حقوق الأغلبية، الأمر الذي ادخل الكويت في مسلسل دائم من الاحتقان السياسي والسخونة في العلاقات بين السلطتين. ويتطلب التحالف الذي سيوفر للكويت المناخ المفقود، شحذ الهمة الوطنية لجميع الأطراف بما فيها الإعلام، من أجل الإصلاح ومن أجل الحفاظ على هيبة الدولة. ثانياً: يتحقق الوفاق الوطني عن طريق تطبيق القانون على كل الناس، فالجميع سواسية، كما طالب وأمر سمو الأمير، ولن يزعل أي طرف من تبعات القانون، ولا يتهرب احد من ضريبة الالتزام بقواعد العمل المتفق عليها. وفي هذا الصدد يقول سمو رئيس الوزراء في حديثه مع رئيس تحرير السياسة الصادر في عددها 17 اكتوبر الماضي: (بأنه معني بتطبيق القانون، وأقول دائما للسلطة التشريعية خذوا ما لكم حسب القانون واتركوا ما هو لي حسب القانون، هناك سلطات وكل سلطة لها حدود لا تستطيع تجاوزها دستورياً وقانونياً، وان الدستور والقوانين لا تسمح لها ان تتجاوز وهي (اي الدستور والقوانين) التي تقف بين الحكومة وبين سائر السلطات. وجميل جداً ان يتناغم هذا الموقف مع الدعوة العامة لاحترام القانون وتأكيد سيادته، وعدم التفريط في فعاليته. وهذا النهج هو الذي يحد من التوصيات والمقترحات الكثيرة التي يقدمها أعضاء البرلمان كوصفات شعبوية تثير شهية المواطن دون ان تكون لها شرعية قانونية، وهذه المشهيات الجماهيرية تستنزف ليس فقط المال وإنما طاقة الدولة وتخلق استسهال التطاول على مواردها وتشتيت أولويات الحكومة. ثالثاً: نلاحظ التطور الذي حدث في تشكيلة المنابر أو التجمعات السياسية مؤخراً مثل الكتلة الوطنية، والدستورية، والشعبية، ومن ميزات تواجدها تنظيم العمل البرلماني وتنسيق الجهود ووضع حد للاجتهادات الفردية، وبروز العمل التكتلي في الاستمزاج والتشاور، وهي ظاهرة ديمقراطية تساعد الكويت على تجاوز مأزق الماضي الذي يسببه انعدام وجود الأحزاب وانعدام وجود أغلبية ترتكز عليها السلطة التنفيذية. والمنابر الحالية ستعلو بمستوى المداولات وتسهل عمل الحكومة التي ستواجه المنابر بدلا من الأفراد، وستتعامل مع جماعات لها فلسفتها وبرامجها السياسية وطموحاتها الانتخابية وجداول أعمالها ولها أساليبها في حشد المؤازرة وممارسة فنون الإغراء والاقناع. واعتقد بأن صيغة المنابر التي استجدت في العمل البرلماني الكويتي هي تجربة ايجابية ستختزل الكثير من الوقت وتستعجل من زمن القرارات وستساهم في تصويب السلوك البرلماني. وأتصور بأن هذه المنابر لها دور في التثقيف وغرس الوعي حول فوائد تطبيق القانون على الجميع. رابعاً: وهنا نتحدث عن دور الرئاسة وبالذات دور السيد رئيس مجلس الأمة الفاضل جاسم الخرافي، الذي نرى فيه عنصرا مهدئا وواعيا لحراجة المرحلة، ومتطلعا للارتقاء بالأداء النيابي، ونتمنى منه ان يستفيد من مقام الرئاسة ووهجها وهيبتها في نزع الفتيل وفي إبعاد بذور المواجهات، وندعوه للاستفادة من الإطار النيابي الحديث المتمثل في المنابر التي برزت في هذا الفصل، والدخول معها في حوارات تهدئة والاتفاق معها على الأولويات وفق الاحتياجات الوطنية. وقد كتبنا مراراً متمنين توظيف طاقة الرئاسة وثقلها المعنوي والأدبي ومقامها السياسي ووضعها في الاعتبار في ممارسة الاتصالات، لان الاحتكام الى اللائحة الداخلية التي يلتزم بها الرئيس تقيد انطلاقاته التي ترتبط بمأمورية الرئاسة، واللائحة هي بنود جافة حيادية لا تتوفر فيها الحيوية التي ترافق العمل البرلماني. نحن نتحدث عن وضع فاصل في التجربة الكويتية، التي لا شبيه لها في تجارب الشعوب، شروط الديمقراطية جوهرها التداول والأحزاب والمعارضة الحزبية البديلة، وترابط التجربة مع المنظمات الشعبية والهيئات غير الحكومية، ومنابر ذات النفع العام، وتحاورات فيها شد وجذب. تحسمها كلها الأغلبية البرلمانية، فإن كانت من نصيب الحكومة فقد نجحت وشرعت وقادت، وان كانت من نصيب غيرها سقطت، وجاء غيرها بتشكيل آخر. هذا النهج لا يتوفر في الكويت، وما هو متوفر يمكن تطويره مع اتساع النضج السياسي ومع الاطمئنان للسلوكيات ومدى تطابقها مع دستورية العمل. خامساً: وأخيراً فعلينا الاقرار بأن ربع ديمقراطية خير من غيابها، وربعها يمكن ان يصل الى النصف أو أكثر إذا ما انسجمت التربة مع التجربة، وجاءت بحسن العطاء، أما اذا استمرت في المناطحات والصياح والتشهير فإن الخاسر من ذلك كله هو الكويت، ولعلنا نستدير نحو الشمال والشرق والغرب لنرى كيف جاء خراب الزمن بحصيلة لم يتوقعها الذين كانت بيدهم السلطة في تلك البلدان فاستهانوا وانغروا واستكبروا فجاءت قراراتهم بالهلاك، ويعود أهل تلك المناطق الى ماضيهم متأسفين على ضياع ما كان متوفرا مع أسى استبداله بالخراب والدمار. الدروس والعبر منقوشة في حياة الشعوب في العراق وفي سورية ومصر والسودان ونحو الشرق في إيران، وكلنا يقول خراب الزمن يتربص في موقع قريب منا، لا يحمي الكويت والخليج منه إلا الوعي والارتفاع بالأداء وبالتحالف الوطني الصلب والصامد.
abdullah_bishara@yahoo.com |
|
|
| |
|