| |
استرعى انتباهي هيئة البيعة.. أبعاد لا تزال بحاجة للتعريف د.عبد الله بن ناصر الحمود
|
|
أصبحت هذا اليوم على إحساس جميل، بأننا نستشعر المرحلة التاريخية التي يمر بها مجتمعنا، وأننا نترجم هذا الشعور إلى وقائع كبرى، ننازل بها كل من ظن، في يوم من أيام العرب، أن في اتفاقنا وفي اتحادنا نظراً.. ثم شعرت بثقة مطلقة، بأننا استطعنا أن نثبت بالأدلة القاطعة، أننا نتغيَّر بالفعل، وبالتأكيد نحو الأفضل - بإذن الله تعالى -، وعلى مختلف الأصعدة، حتى الأكثر حساسية منها.. فالإرادة التي امتلكناها، ليس لها حدود دون السعي الجاد لتحقيق الكمال البشري، بخطى واثقة متأنية تُحكِّم العقل، وتستند إلى معطيات التاريخ الإنساني وتجاربه المتعددة، على مرِّ العصور. ثم أدركت أن باعث هذا الإحساس، هو أن عادت بي الذاكرة ثلاثة أعوام تقريباً لأتصفح مقالاً كنت كتبته في هذه الجريدة في يوم الاثنين (29 رمضان 1424هـ) الموافق (24 نوفمبر 2003م)، ذكرت فيه أن الدولة السعودية قامت على مرتكزين رئيسين، أحدهما السيادة السياسية المتمثِّلة في النظام الملكي.. وأشرت حينها إلى أنه كان من المهم جداً أن تعمل مؤسسات المجتمع المختلفة ودوائره الرسمية - عبر عقود من الزمن - على تكوين وتعزيز رأي عام مستنير تجاه هذا الركن الرئيس لبناء المجتمع وتطوره. وقلت، في ذات المقال: إن المراجعة المتأنية لمنظومة بناء الفكر الاجتماعي - الثقافي السعودي، عبر مؤسسات التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية الثقافية تؤكد أن هذه الركيزة قد تمَّ التّعامل معها باعتبارها حقيقة مجرَّدة، وتمَّ تناولها عبر آليات التلقين (المدرسية والمؤسسية) تناولاً مقتضباً، دون أن يُتاح حولها مجال للنقاش والحوار يُمكِّن من ترسُّخها في أعماق الفكر المجتمعي، بما يكوِّن حائط صد اجتماعياً مستنيراً منيعاً أمام من يحاول النيْل منهما من الداخل أو الخارج.. وألمحتُ إلى أنه قد بدا واضحاً اتجاه اجتماعي عام نحو عدم الرغبة في (إن لم يكن تجريماً) الحديث حول هذا الركن خلال القرن المنصرم.. فلم تكن تُطرح بوضوح، المحاسن الكثيرة للنظام السياسي الملكي، ليتم دعمها وتحديد الرؤية المجتمعية الشعبية بشأنها، كما لم تكن تُناقش جماهيرياً - وباستفاضة - إشكالات هذا النوع من أنواع السيادة السياسية ليمكن للناس العلم بها يقيناً، وليتاح كذلك تجنُّب تلك الإشكالات (وتقنينها ووضع بدائل لها أقرب للاتساق مع تطلعات المجتمع، مما جعل عدداً من مكونات النظام السياسي الملكي القابلة للتطوير والتحسين تبقى على حال لا تلائم - بالضرورة - كل عصر). وكنتُ أشير إلى أن أطماع قوى الاختراق الدولية، باتت تتجه عبر هذا الركن الرئيس في تاريخ المجتمع وواقعه ومستقبله ملوِّحة بمناقب الديموقراطية والمشاركة الشعبية التي أوسعتها عرضاً وطرحاً ونقاشاً في معظم أرجاء المعمورة، وهو الأمر الذي أدى لأن تكون الكيانات المتعددة داخل المجتمع وخارجه أسهل للاختراق منها لو تشكَّل لديها رأيٌ قويٌ وفكرٌ محددٌ تجاه النظام السياسي الذي تعيش في كنفه. واليوم، وبعد إعلان تشكيل ونظام هيئة البيعة، أجد أن كثيراً من تلك التساؤلات التي كانت تقلقني ذات يوم، تحقق إجابات متطورة لها، وأن عدداً من المخاوف التي كانت تلوح في أفق وعي المجتمع واطمئنانه على مستقبله السياسي تتبدد بصيغة نموذجية جداً، وبمركبات تنعم بالحكمة والشفافية وبُعد النظر. إذاً، ليس اليوم كالبارحة.. اليوم تُطرح قضيتنا السياسية كواحدة من أهم وأولى قضايانا التي خضعت لعمليات إصلاح جوهرية.. وهو الأمر الذي يحتاج من دون شك جملة من الوقفات من أهمها الأبعاد الأربعة التالية: أولاً: إن قيادتنا، التي حملت لواء الإصلاح الشامل، لم تنأ بدارها عن عمليات المراجعة والتقويم واستحداث البدائل الأفضل للمستقر من الأعراف الملكية السياسية. ثانياً: إن خطانا في الإصلاح ليست استعراضية للاستهلاك الإعلامي، بل ها هي تحقق مكاسب محسوسة جداً، وفي أهم بيئاتنا ومؤسساتنا السيادية الكبرى. ثالثاً: إن هذه الخطوة الرائدة، على الرغم من علاقتها بقمة الهرم في الإدارة السياسية للبلاد في ظل النظام الملكي السعودي، تخضع اليوم للعديد من العرض والطرح والنقاش المستفيض من لدن فعاليات مجتمعية متعددة، لتقدم رؤاها العلمية والمهنية حيالها، في شفافية وحرية نموذجية أتت على مجمل جوانب تشكيل ونظام الهيئة، وهو الأمر الذي يضع مجتمعنا في مكانته الراقية بين الأمم والشعوب.. ذلك أننا اتحدنا واتفقنا، فناقشنا أمورنا بشفافية وعلانية ووئام. رابعاً وأخيراً: هنا، أن الحجة قد قامت على كل ذي لب وبصيرة استرعاه الله رعية في هذا المجتمع، فوجد نفسه على قمة هرم إداري في أيٍّ من مؤسساتنا أن عليه أن يعلم أنه لا خيار له اليوم، إلا أن يكون مصلحاً مبادراً من موقعه في مؤسسته.. أو أن يترجَّل عن صهوة (كرسيه)، لأن الزمن المعاصر ليس إلا للمصلحين، الذين يمتلكون الحكمة والفهم والجرأة في اتخاذ القرارات السليمة. تلك أبعاد مهمة جداً، أعتقد جازماً، أنه من البدهي اليوم، أن تسعى كل كياناتنا التعليمية والتثقيفية والإعلامية والاتصالية، إلى العمل، (واستمرار العمل) وفق منظومات علمية ومهنية متطورة، (للتعريف بها)، ونقل (معانيها ودلالاتها) لجميع مؤسساتنا وفعالياتنا الرسمية والشعبية، وتنشئة الجيل الجديد على القدرة على إدراكها والدفاع عنها، ومراجعتها وتقويمها باستمرار. إن عملاً كهذا، سيضع إجابات محددة لكل من تدفعه نفسه الطامعة إلى محاولة النيْل من وحدتنا واتفاقنا ولحمتنا، قيادة وشعباً.
نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
alhumoodmail@yahoo.com |
|
|
| |
|