| |
القرار الذي سيكلف البلايين
|
|
استأنفت سوق الأسهم السعودية يوم السبت 6 شوال 1427هـ تعاملاتها بعد إجازة عيد الفطر المبارك مع وجود تغييرات جذرية في فترة التداول، بحيث توحدت فترتا التداول السابقتان في فترة واحدة من الحادية عشرة صباحاً حتى الثالثة والنصف عصراً. وقرار الفترة الواحدة اتخذ على ما يبدو بعد دراسة لفترات التداول في عدد من البورصات الخليجية والعربية والعالمية، ولتمكين المستثمرين من متابعة التغيرات التي تطرأ على الأسعار مع أخذ فروق التوقيت والظروف الاجتماعية والمهنية بعين الاعتبار. واتخذ القرار استناداً إلى المادة الخاصة من اللائحة التي تخول هيئة سوق المال صلاحيات وضع القواعد التنظيمية والتعليمات الخاصة بالتعامل في الأوراق المالية داخل السوق والرقابة عليها والإشراف على تطبيق عمليات تداول هذه الأوراق. هذا القرار ليس له شعبية لدى قطاع كبير من الشعب السعودي وبخاصة الموظفون في كل من القطاع العام والخاص، إذ إن الفترة الواحدة لن تسمح للغالبية بمتابعة سوق الأسهم. لا تنسوا أنه حسب اكتتاب بعض الشركات السابقة أن هناك أكثر من عشرة ملايين محفظة أسهم أغلبها لصغار المستثمرين، وهذا يعني أن هناك نحو عشرة ملايين سعودي ومقيم يعملون في سوق الأسهم في محاولة لتحسين أوضاعهم المالية لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة ولتحسين أوضاعهم الاجتماعية من فقر إلى غنى. والتساؤل: هل هناك مكسب أو خسارة في سوق الأسهم؟ الجواب الذي سيجيب عنه الجميع بأنه ليس هناك مكسب أو خسارة؛ لأن خسارة شخص في السوق يقابله مكسب شخص آخر. لكن من متابعتي لسوق الأسهم رأيت أنه أصبح هناك إدمان للمواطن السعودي والخليجي والعربي، فقد كان الفرد سابقاً يجلس أمام الشاشة فترات قصيرة ساعتين فقط في الصباح وساعتين بعد العصر. أما الآن فيجلس الفرد أربع ساعات ونصف الساعة أمام الشاشة. ماذا يعني جلوس المواطن أربع ساعات ونصف الساعة أمام الشاشة لأيام وشهور وسنين متواصلة؟ وماذا سيحدث له من تغيرات صحية واجتماعية وغيرها؟ طول فترة نظر الفرد في شاشة الكمبيوتر ستصيب الملايين بأمراض العيون، ويمكن أن تسألوا أطباء العيون عن ذلك. والتساؤل: هل استشارت الهيئة أطباء عيون لما سيحدث للشعب السعودي من انفصال في الشبكية أو قصر نظر أو.. أو.. وما سيكلف الحكومة نتيجة ازدياد مراجعة الشعب السعودي لعيادات العيون والعمليات الجراحية وأدوية العيون المختلفة وتكاليفها على الدولة وعلى المواطن الذي لا يقدر أن يراجع المستشفيات الحكومية؟ أيضاً على مر الزمن ستزداد السمنة لدى الشعب السعودي نتيجة جلوس المواطن لأربع ساعات ونصف الساعة أمام شاشة الكمبيوتر واضطراره لأكل غدائه أمام الكمبيوتر بدلاً من مشاركة عائلته الغداء. فأكل وجلوس وعدم حركة ونوم بعد الساعة الثالثة والنصف عصراً سيؤدي في النهاية إلى أمراض السمنة التي ستؤدي في النهاية إلى زيادة الكلسترول وحمض اليوريا والسكر وزيادة أمراض القلب والنقرس، خصوصاً لدى المتقاعدين الذين ليس لديهم عمل إلا متابعة التداول عبر شاشات الكمبيوتر.. كما سيزداد مرض السكري نتيجة الجلوس لعدد كبير من الساعات. هل تعرفون كم سيكلف الدولة والمواطنين الصرف على علاج تلك الأمراض؟ فقط تصور زيادة عمليات القلب المفتوح وكم تكلف كل عملية جراحية وتكاليف الأدوية المستعملة فيما بعد تلك العمليات؟! تصوروا كم كمية زيادة الفشل الكلوي نتيجة أمراض السمنة وغيرها من الأمراض وما يكلفه غسيل الكلى من أموال طائلة؟! إن الأمراض الناتجة نتيجة زيادة فترة التداول ستكلف كثيرين ممن كسبوا من سوق المال أضعاف ما كسبوا نتيجة صرفهم في المستقبل على علاجهم. كما ستكلف الدولة البلايين نتيجة حرصها على سلامة شعبها وستضطر إلى فتح المزيد من المستشفيات والمستوصفات وشراء المزيد من الأدوية والمستلزمات الطبية من أجهزة وخلافه المكلفة لعلاج المواطنين نتيجة زيادة عدد المرضى. إن التعامل في سوق الأسهم زاد الوعي الاقتصادي في بلادنا، وأصبح الجميع يقرأ في الاقتصاد بدلاً من قراءة الصفحات الرياضية فقط، وأصبح الجميع يشاهد قناة الاقتصادية والعربية في التلفزيون بدلاً من مشاهدة وسماع قنوات ليس لها همّ سوى إلهاء الشعب بما لا يفيد. ولذلك ليكون لدينا شعب واعٍ صحيح وليس شعباً مريضاً بمختلف الأمراض من أمراض العيون وأمراض القلب والنقرس وأمراض السمنة والفشل الكلوي والبواسير وغيرها من الأمراض. فأقل ما يمكن عمله هو إرجاع فترة التداول لما كانت عليه. فالجلوس أمام شاشة الكمبيوتر لساعات أقل أفضل بكثير من الجلوس لأربع ساعات ونصف متواصلة. وهناك الكثير الذي يمكن عمله لتحسين حالة الشعب السعودي.. أقلها كما قلت هو العودة لما كنا عليه. لا تظنوا أن الفترة الواحدة سوف تخفض من تهرب الموظفين من أعمالهم وتدهور إنتاجية العمل في مختلف المصالح العامة والخاصة. وإنما يمكن من زيادة الإنتاجية في العمل بعمل فترتين؛ واحدة من الساعة الثالثة عصراً وحتى الساعة الخامسة عصراً، والأخرى من الساعة الثامنة مساء حتى الساعة العاشرة ليلاً. فترتان بينهما فترة راحة يقوم الفرد بعمل ما يريد من رياضة أو مراجعة وخلافه. ومزايا هاتين الفترتين هي عدم هروب الموظفين من أعمالهم، وأيضاً انشغال الشعب السعودي بسوق الأسهم بدلاً من قضاء الليل في لعب البلوت والكنكان والسهر في الاستراحات وقضاء الليل في الحديث بما لا يفيد ومشاهدة ما لا يفيد. فرفقاً بنا يا هيئة سوق المال، إذ إن قراراً سابقاً للهيئة نص على منع الشركات من تداول أسهمها كلف أغلب الشعب السعودي مدخراته في انهيار 25 فبراير 2006م الماضي المشؤوم، وما زلنا نعاني منه حتى اليوم. وقرار الفترة الواحدة في 6 شوال 1427هـ سيكلف أغلب الشعب السعودي مستقبلاً صحته وسيكلف الحكومة والشعب بلايين الريالات في سبيل المعالجة الطبية نتيجة زيادة الأمراض التي ستسببها طول الفترة الواحدة للتداول. والله من وراء القصد.. * الجزيرة كنا نود من الكاتب لو أنه اعتمد في وجهة نظره على تجارب سابقة لدول أخرى، وعلى إحصاءات وأرقام تسند وتؤيد ما ذهب إليه في اجتهاداته، غير أننا ننشرها من باب حق الجميع - كما هي سياسة الجزيرة - في التعبير عن وجهات نظرهم دون تدخل من قلم الرقيب.
|
|
|
| |
|