| |
من المسؤول يا ذوي العقول؟ د. عبدالله الصالح العثيمين
|
|
ما أُنجِز ويُنجَز في وطننا العزيز من أمور إيجابية مبعث شكر لله المنعم الموفِّق، ومحلّ افتخار واعتزاز. لكن المرء إذا تأمل ما يحدث في مجتمع هذا الوطن من أمور سلبية ملأ نفسه الأسى واعتصر قلبه الألم، وبدا أمامه سؤال حائر: أمسيرة وطننا تتجه إلى الأمام أم تتراجع إلى الوراء؟ الأمور السلبية في مجتمعنا كثيرة. وكل أمر منها يمكن أن تكتب عنه مقالة. بل ربما كتبت عنه مقالات عدة. غير أن كاتب هذه السطور سيشير باختصار قد يكون مخلاً إلى بعض تلك السلبيات. السلبية الأهم تتصل بالأمن. ومن المعلوم والمعترف به من قِبَل الأدنين والأبعدين على حدٍّ سواء أن الأمن كان في طليعة اهتمامات الدولة السعودية منذ نشأتها، وأنها نجحت نجاحاً عظيماً في تحقيق ذلك؛ وبخاصة في عهد الدولة السعودية الأولى وعهد مؤسس الدولة السعودية الثالثة التي يعيش في ظلِّها مواطنو هذا البلد الموحَّد توحيداً كفاه الله شرَّ ما يحاك ضده. والقصص التي تُروى عن عظمة قادة الدرعية من آل سعود في تحقيق الأمن حفلت بها كتب دوَّنها أناس من داخل البلاد وآخرون من خارجها. أما ما أُنجِز في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في المجال الأمني، فالكثيرون عاصره، وافتخروا به ونعموا بثماره، ومن لم يعاصروه علموه من آبائهم وأخوالهم مباشرة؛ إضافة إلى ما هو مدوَّن في مصادر موثوقة. والدولة - كما هو معلوم - مسؤولة مسؤولية ملزمة عن حفظ أمن مواطنيها؛ أنفساً وأعراضاً وأموالاًَ. ومن القصص التي تُروى عن نجاحها في أداء تلك المسؤولية في عهد مؤسس وحدة الوطن الحاضرة أن طفلاً اختفى في إحدى مدن المملكة الكبيرة، فلما علم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بذلك استدعى المسؤول المباشر عن الأمن، وأنذره بأنه إن مضت ثلاثة أيام، ولم يعثر على الطفل؛ حياً أو ميتاً، ويقبض على مَنْ أخفاه فإن ذلك المسؤول سينال أقصى العقوبات. وكان المُنذَر يعلم حق العلم مدلول إنذار مَنْ أنذر. فعمل كل وسيلة حتى عثر على الطفل مقتولاً، وقُبِض على الجاني، فقتل فوراً بأمر مَنْ جعل أمن الناس في هذا الوطن على أعراضهم قضية لها الأولوية. ومن تلك القصص ما ذكره أمريكي في كتاب ترجمة عنوانه: الروَّاد المئة في أرامكو؛ وهو أنهم كانوا يحضرون أكياس الذهب والفضة إلى فرع المالية في الدمام لتسليمها إلى الحكومة، وفي بعض الأحيان لا يصلون إلى مبنى الفرع إلا بعد أذان الظهر، فيجدونه مغلقاً، ولا يفتح - عادة - إلا بعد صلاة العصر. لكنهم كانوا يضعون تلك الأكياس عند باب المبنى واثقين - نتيجة حزم الدولة - أنه لن يعتدي عليها أحد، وأن موظفي الحكومة سوف يجدونها سليمة عند إعادتهم فتح المبنى عصراً. ما الذي يحدث بعد أن ملكت الدولة ما يسَّر الله من وسائل علمية وتقنية مساعدة لحفظ الأمن والضرب على أيدي العابثين به؟ لا يخفى على الكثيرين؛ سواء عن طريق ما ينشر في وسائل الإعلام أو ما يُتَداول غير منشور في هذه الوسائل، ازدياد اختطاف الأطفال والمراهقين؛ ذكوراً أو إناثاً، وما يشاهد مما يعدُّه الكثيرون ليونة في التعامل مع المختطفين. وقد تكون هذه الليونة من قِبَل الجهات الأمنية أو من قِبَل بعض القضاة. ولو بُحِث عن سبب الليونة من هؤلاء وأولئك بحثاً جاداً لاتَّضح للباحث جلياً. ذلك ما يتصل بالأمن على الأعراض؛ وهو الأهم بطبيعة الحال، أما بالنسبة إلى الأمن على الأموال فحوادث سرقة المنازل والمتاجر والسيارات وكيابل الكهرباء في المزارع والغنم التي في تلك المزارع، وغير ذلك، تزداد ازدياداً يبعث على القلق وعدم الطمأنينة. وربما فوجئ من ذهب ليبلغ عن سرقة سيارته - مثلاً - بقول رجل الأمن المسؤول: (احمد ربك انه ما فيها أحد). وما يقوله صحيح؛ لأن العرض مقدَّم على المال. لكن تلك الإجابة تنبئ عن عدم إدراك لصداها في نفس المجاب، أو عدم اقتناع المجيب بقدرته على القيام بمسؤوليته نتيجة أمور هو أدرى من غيره بها. ومن القصص التي حدثت أن عاملاً غير سعودي سرق أموالاً ثمينة من أكثر من أربعين منزلاً، من بينها أمير البلدة نفسه في شهر واحد، وأصاب السكان ذعر ثم قُبض على ذلك السارق من قِبَل أناس من تلك البلدة، واعترف السارق بسرقاته، لكن حكم عليه بسجن عدة شهور فقط عمل خلالها حلاقاً في السجن ينال ما ينال من دخل. ومن الأمور السلبية ما يشاهده المرء في مجال المرور. ومن ذلك التهوُّر في السرعة، وقطع الإشارة، المؤدِّين إلى تعريض أرواح الناس وأموالهم للخطر. ومن المرجح جداً أن نسبة الوفيات نتيجة لذلك في وطننا العزيز تفوق تلك النسبة في أي بلد؛ إقليمياً ودولياً. ولو كانت الإجراءات حازمة رادعة لأمكن تفادي ذلك الخطر بدرجة كبيرة. ويمكن الإفادة من الدول الأخرى في هذا المجال ومما يتعلق بذلك - وإن كان أقلَّ مباشرة مما سبق ذكره - سوء الأدب المتمثِّل في تكوين المسيئين مساراً آخر يمين المسارات الرسمية في الطريق العام، ثم إيذاء المحافظين على النظام بإجبارهم على أن يتركوا أولئك المسيئين يتجاوزونهم، أو في تقريب أحدهم مقدَّمة سيارته من السيارة التي أمامها لإرغام صاحبها على الهروب منه مع أنه يرى صعوبة الهروب لوجود السيارات آخذة طريقها عن يمينه، أو يكون في المسار الأيمن عند الإشارة، ثم يوقف المسارات التي عن يساره كي يرجع مع الاتجاه المقابل. وأكثر هؤلاء أو المسيئين للأدب يعلمون نظام المرور، لكن (مَنْ أمن العقوبة أساء الأدب). ومن الأمور السلبية ما يحدث قبيل أيام العيد، وفي أثنائها من إزعاج للناس نتيجة ما يمارسه الأطفال من إشعال مفرقعات لا تدع من يحتاج إلى الراحة يتمتَّع بها. وإضافة إلى الخسائر المادية المهدرة في سبيل ذلك الإزعاج فإنها قد تسبِّب حرائق. بل قد ينال ضررها بعض من يمارسونها من الأطفال أو يجتمعون حولهم. ويسأل المرء: هل الدولة تسمح بحدوث ذلك؟ إن كانت تسمح بحدوثه فهي شريكة في إزعاج المجتمع، وإن كانت لا تسمح به رسمياً فهي مقصرة في تطبيق النظام، ومقصرة في حماية الناس مما يزعجهم ويؤذيهم. والغريب العجيب أن كثيراً ممن يرتكبون إشعال المفرقعات التي ينفق على شرائها المال الكثير، هم أطفال أسر يلحُّ أولياء أمورها على الأغنياء أن يهبوهم زكاة، فيصبح جزء مما يوهبون وسيلة لإزعاج الناس وتعريض بعضهم للأخطار. وطننا العزيز له خاصية فريدة. هو مهبط الوحي، وحكومته قائمة رسمياً على تطبيق الشريعة. وهذا الوطن من أكثر بلدان العالم إصداراً لأنظمة أغلبها جيد الإحكام والأحكام. فهل ما يحدث على ترابه، ويواجهه المجتمع الذي يعيش فوق ثراه، ينسجمان مع مكانته الخاصة؛ مهبطاً للوحي، وقائماً على أساس تطبيق الشريعة، ومصدراً لأنظمة كثيرة لا تنقصها الجودة والوضوح؟ كاتب هذه السطور ليس أعلم من قارئها، ولا يملك إلا أن يقول: من المسؤول يا ذوي العقول؟ وهل إلى حل يقضي على تلك السلبيات من وصول؟ وفق الله الجميع إلى القول السديد والعمل الرشيد..
|
|
|
| |
|