| |
أنشودة حب في العيد ذاكرة الوفاء لا تخون أبناء المؤسس أبداً د . صالح بن سبعان
|
|
فرحة العيد الحقيقية تجدها في التواصل الإنساني، ومعايدة الأهل والأصدقاء والجيران وأهل الحارة والأقارب وصلات الأرحام، تهنئة بقضاء شهر من العبادة والتقرب إلى الله، والعودة من سياحة روحية في رحاب الشهر الفضيل ومباركة لهم بالعيد، وتبادل الأمنيات والدعوات الصالحات أن يجعلنا الله (من عواده) في عامنا المقبل، وأن يمتعنا بالصحة والصلاح والنجاح والفلاح. إلا أن أعمق أشكال التواصل الإنساني في العيد هو معاودة المرضى الذين أرادت مشيئة الله أن يقضوا العيد ملازمة لسريرهم الأبيض، تخفيفاً لآلام معاناتهم ومشاركة لهم بفرحة العيد مما يخفف من آلامهم ويرفع من معنوياتهم ويجعلهم يشعرون بالانتماء والدفء في أحضان الأهل الذين يقاسمونهم الفرحة متمنين لهم عاجل الشفاء. ولذا آثرت أن أقضي هذا العيد بجوار والدي الذي أراد له الله أن يقضيه مريضاً بالمستشفى -شفاه الله وعافاه- وقد أسمح لنفسي أن أقول إنه كان أجمل عيد قضيته في حياتي رغم محنة الوالد. جميعنا تأخذنا مشاغل الحياة وضرورات العمل والمسؤوليات الاجتماعية عن أنفسنا حتى لنذهل عن أجمل الأشياء التي منحنا الله لنا، فلا نستمتع بها. ومن ذلك قضاء أكبر وقت ممكن مع الوالدين، لنسترد من قربنا منهم شيئاً من طفولتنا التي سرقتها المسؤوليات ونعود أطفالاً كما كنا نستدفئ بظل الحماية تحت ظلهما، ونستشعر الأمان في أحضانهما. وإذا ما كبر الوالدن أو مرض أحدهما أو كلاهما سنجد المتعة النفسية حين نرد لهما بعض دينهما علينا فنحنوا عليهما ونرعاهما ونسهر على راحتهما مثلما فعلا لنا ونحن كأضعف ما نكون، لم يمنعهما من السهر علينا وقضاء الليالي ساهرين ونحن نعاني المرض في طفولتنا مشاغل العمل أو مسؤوليات البيت أو المجتمع. فما الذي يمنعنا من السهر عليهم وهم مرضى اليوم.. ولماذا؟! كنت أستصحب هذه الخواطر ويملأ قلبي هذا الإحساس ممنياً النفس بقضاء عيد انقطع فيه عن العالم وصخبه ملازماً والدي ومستأنساً بقربي منه؛ وحدنا في غرفة صامتة في المستشفى، لا يقطع صمتها سوى تلاوة القرآن، وبثي لوالدي حبي له، وتأكيدي له بأنني سأظل معه رفيقاً وأنيساً وخادماً وصاحباً. إلا أن ولاة الأمر - جزاهم الله خيراً - أبوا إلا أن يقطعوا علينا هذه الخلوة، أو بخلوا - وهم الكرام - بها علينا، حيث تقاطرت وفودهم الكريمة تنير وجوههم وبعطر وجودهم السمح صمت الغرفة منذ أن أقبل العيد المبارك، وهم الذين لم ينقطع سؤالهم عنه منذ أن لزم السرير ما قبل شهر رمضان المبارك الكريم، ولم تَخْلُ غرفته يوماً من واحد أو أكثر من أبناء الأب المؤسس -رحمه الله- أو حفيد من أحفاده، يزورونه مواسين وداعين له بالشفاء. وحين أطل الأمير سلمان وملأ فراغات الغرفة بحضوره اللطيف الوقور يصحبه أبناؤه الغر الميامين -ما شاء الله- وأنحنى على الوالد مواسياً بحنو ومباركاً له العيد وداعياً له بالشفاء تملكتني الدهشة لوهلة. الحق أقول، لقد هزتني مشاعر فاض بها قلبي، واستشعرت الفخر يملأ جوانحي بأنني أنتمي إلى تراب هذا الوطن، وأن الله قد أكرمني حين جعل هؤلاء الرجال قادتي وولاة أمري. رجال تستند عليهم وقت الحاجة والشدة دون أن تسألهم، ويبادرون بالوقوف معك لحظة تواجه محنك لوحدك فتشعر أن الوطن كله إلى جانبك يقف، وأنك تسند ظهرك على جدار قوي آمِن. وتساءلت: كيف يستطيعون تذكر كل الناس في هذه اللحظة التي تفيض فيها أبوابهم ومجالسهم وممرات قصورهم وتغص بالناس؟!. وما من إجابة سوى: إنها ذاكرة الوفاء التي لا تنسى، ولا تسقط منها ورقة. ومن شب وتربى على شيء شاب عليه. فهكذا كان جوهرة التاريخ الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وهكذا كان نهجه الذي سار ودأب عليه وربى أبناءه على نهجه، وهو الهدى الذي انحدر إلينا من خير البشر وخاتم الأنبياء والرسل الذي كان أحرص على أصحابه من نفسه، يتفقدهم، ويعود مريضهم، ويحنو عليهم وكأنهم أبناؤه. وهذا دأبنا مع أبناء عبدالعزيز -رحمه الله- فكل واحد منا -أبناء الوطن- يشعر بأنه الوحيد المختص بحبهم وحدبهم ورعايتهم، وتحت هذا الظل نروح ونغدو، وتقر أعيننا هناءة واطمئناناً وحباً وأمناً. وبعد: أفلا يحق لي - لنا- أن أفخر بهذا الوطن وبهذه القيادة؟ شكراً يا أبناء مؤسس وطني وموحِّده، فقد أحلتم همَّنا فرحاً، فصار العيد بكم عيدين. ودمتم في رعاية الله وحفظه.
e.dr-binsabaan@hotmail.com |
|
|
| |
|